الثقيل في المجلس، ثقيل على القلب، ولكنه قد لا يرى أخف منه ظلاً، ولا أسعد منه روحاً، وإن كان على جلسائه أثقل من جبل أحد، ومع هذا فالثقلاء موجودون في كل المجتمعات، وما علينا إلا قبولهم، فقبولهم صبر تؤجر عليه، ومجالستهم داء ندعو الله الشفاء منه. |
وأورد البرقوقي بعضاً مما قيل فيهم: |
قالوا: من خاف أن يثقل لم يثقل. |
ومثله إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل. |
وقال بختيشوع الطبيب للمأمون: لا تجالس الثقلاء فإنا نجد في الطب: مجالسة الثقلاء حمىَّ الروح. |
وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا استقبل رجلاً قال: اللهم اغفر له وارحنا منه. |
وكتب رجل على خاتمه (أبرمت فقم) فكان إذا جلس إليه ثقيل ناوله إياه. |
وقال صدقة بن خالد، أتيت الكوفة، فجلست إلى أبي حنيفة، فقام رجل من جلسائه فقال: |
فما الفيل تحمله ميتاً بأثقل من بعض جلاسنا. |
|
إني أجالس معشراً |
نوكى اخفهم ثقيل |
قوم إذا جالستهم |
صدئت بقربهم العقول |
لا يفهموني قولهم |
ويدق عنهم ما أقول |
فهم كثير بي |
واعلم أنني بهم قليل |
ومر رجل بصديق له ومعه رجل ثقيل فقال له: كيف حالك؟ فقال: |
وقائل كيف أنت قلت له |
هذا جليسي فما ترى حالي |
|
أنت يا هذا ثقيل |
وثقيل وثقيل |
أنت في المظهر إنسان |
وفي المخبر فيل |
لو تعرضت لظل فسد الظل الظليل |
وقال الأعمش في ثقيل كان يجلس إلى جانبه: والله إني لا بغض شقيِّ الذي يليه مني: |
وكان حماد بن سلمة إذا رأى من يستثقله يقرأ {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}. |
وسلم ثقيل على بعض الظرفاء فقال: وعليك السلام شهراً. |
وسئل إنسان له ثلاث بنين ثقلاء: أي بنيك أثقل؟ فقال ليس بعد الكبير أثقل من الصغير إلا الأوسط. |
وقيل لجالينوس: لِمَ صار الرجل الثقيل أثقل من الحمل الثقيل؟ قال: لأن ثقله على القلب دون الجوارح، والحمل الثقيل يستعين القلب بالجوارح عليه. |
وسمع الأعمش كلام ثقيل فقال: (من هذا الذي يتكلم وقلبي يتألم). |
وقال رجل لغلام هاشمي: يا بغيض فشكاه إلى أبيه، فقال قد علمت أنك بغيض، فكرهت أن أقول لك حتى يكون بغضك بإسنادك.. |
وكان أبو العتاهية يقول لابنه محمد: أنت والله يا محمد ثقيل الظل، مظلم الهواء، حامد النسيم بارد حامض منتن.. |
وقال سهل بن هارون: من ثقل عليك بنفسه، وغمك في سؤاله، فأعره، أذنا صماء وعيناً عمياء. |
يا من تبرمت الدنيا بطلعته |
كما تبرمت الأجفان بالشهد |
إني لأذكره حينا فاحسبه |
من ثقله جالساً مني على كبدي |
وقال الشاعر الحكيم الأندلسي أبو الصلت أمية بن عبدالعزيز. |
لي جليس عجبت كيف استطاعت |
هذه الأرض والجبال تقله |
انا أرعاه مكرهاً وبقلبي |
منه ما يقلق الجبال اقلُّه |
فهو مثل المشيب أكره مرآه |
ولكن أصونه واجلّه |
وكان أبوعبيدة بن المثنى يستثقل جليساً اسمه زنباع، قال له رجل يوماً: |
ما الزنبعة في كلام العرب؟ قال: التثاقل, ولذلك سمي جليسنا زنباعاً. |
|
سألتك بالله ألا صدقت |
وعلمي بأنك لا تصدق |
اتبغض نفسك من ثقلها |
وإلا فأنت إذن احمق |
|
مشى فدعا من ثقله الحوت ربه |
وقال: إلهي زيدت الأرض ثامنه |
|
تحمل منه الأرض اضعاف ما |
يحمله الحوت من الأرض |
ومن كلامهم: مجالسة الثقلاء تثير الهموم، وتجلب الغموم، وتؤلم القلب، وتقدح في النشاط، وتطوي الانبساط، قالوا: فلان ثقيل الطلعة، بغيض التفصيل والجملة، بارد السكون والحركة، يحكي ثقل الحديث المعاد, ويمشي في القلوب والأكباد، كأن وجهه أيام المصائب وليالي النوائب. |
يا عجبي من جسم كالخيال وروح كالجبال. |
هو بين الجفن والعين قذاة، وبين الأخمص والنعل حصاة |
هو اثقل من خراج بلا غلَّة ودواء بلا عِلَّة3 |
أعاننا الله وإياكم عليهم، وعظَّم لنا الأجر بمجاملتهم، ورزقنا بفضل صبرنا من كريم عطائه. |
|