مفهوم (النظرة إلى الخلف) قد لا يحبذه بعضهم على اعتبار أنه مسلك سلبي يتناقض مع مفاهيم أخرى كالإقدام والعزيمة والجرأة، مستبعدين لكونه منقحاً أو كابحاً أو نذيراً لمواقف يجب أن تمحَّص قبل الإقدام عليها، فالنظرة لنتائج مواقف سابقة قد تعطيك مناعة ضد ارتكاب تصرفات خاطئة أو تكرار حماقات لم يكن من المفترض أن تكون، أو إعادتها للمستقبل، والنظرة للخلف قد تقنعك بصواب مرادك ومقصدك الحالي (غير المصيب) مكاناً أو زماناً، نظراً لخلاصك من مثل هذا الموقف سابقاً، وتجاوزك لتبعاته، وضنك في نفسك أن غفلة الناس أو تغافلهم هي مؤشر رضى وجواز عبور لاقتراف الخطأ نفسه..
والنظرة إلى آثار وغبار طريقك الماضي قد تكون حيناً نظرة المنهزمين أو المتشككين في مسلكهم، وتكون أحيانا أخرى وقفة تأملية حكيمة لاستعادة نتائج منعطفات سابقة وتطبيقها على واقع حاضر، فإما الإقدام أو الإحجام حسب ما يمليه العقل والضمير بعد دراسة هذا الواقع سلبياً وإيجابا وتقرير الصالح الذي يفترض واعتماده لحظياً أو وقتياً..
لذا قد يمكنني القول: أن ليس كل التردد والتروي وتكرار الحسابات جزء من الحكمة، وليس كل الإقدام وتجاوز الحواجز واختراق الأعراف من مضامين الشجاعة، فالتقاعس والتخاذل قد يشاركان التهور والمجازفة غير المحسوبة في التعرض للذم، وإنما المحمود ما تجمل بالصواب ووافق القصد والواقع.