استهل الدكتور غازي القصيبي مقطوعته الجميلة في رثاء المهندس محمود طيبة بقوله (الرجل المضيء، وما الذي أعنيه بالرجل المضيء؟ أعني أن داخله كان يشرق بالإيمان والتقوى، وخارجه يعكس النور الداخلي، أعني أنه كان شفافاً في مسلكه ومعتقده. أعني أنه كان متهلل الأسارير، يطفح وجهه بالبشر والتفاؤل).
ولم يتفق أحد من الناس على ما اتفقوا عليه بشأن نزاهة وطيبة هذا الرجل.
ولئن كان للمرء نصيب من اسمه فإن لمحمود طيبة من اسمه نصيبا وافراً، فكان محمود السيرة ومثالاً للطيبة وحسن الخلق والتواضع. ومن يرقب تحركاته لا يرى إلا خيراً، والناس شهداء الله في الأرض حيث أخذ بأمور الدين والدنيا، فهو رجل حضاري أمسك بزمام مؤسسة الكهرباء فكان محافظاً لها ومحافظا عليها! سعى بكل ما أوتي من قوة لإضاءة هذه البلاد الواسعة بالنور. وكان يدرك بما أوتي من حدس إقبال البلاد على التوسع والازدهار فسعى لتوقيع عقود لبناء محطات للكهرباء وهو يشعر دوماً بالتأخر ويسابق الزمن حتى (أضاء قرى المملكة ومدنها بتوفيق من الله ثم بدعم من الدولة ما لم يسبقه إليه، أو يلحقه بعد، رجل آخر) هكذا يقول عنه زميله ورئيسه القصيبي وزير الكهرباء آنذاك الذي سعد بالعمل معه سنين طويلة (فكان الرجل المناسب في الموقع المناسب، يعمل ولا يتذمر، يصل الليل بالنهار ولا يتململ وكان دائم الأمل، حتى عند هبوط الظلام، وكان يتطلع إلى الفرج حتى عندما تضيق الأزمة) ويقول بحسرة (بقيت جوانب أتركها لأني أعرف أنه كان يريد مني أن أتركها. جوانب الخير في الشخصية الإنسانية الفنية في مختلف المناشط الخيرية. ولماذا أذكرها؟ سيفضي إليها وإلى كثير من الباقيات الصالحات).
وحين أحجم الدكتور غازي عن ذكر مناشطه الخيرية فهو بلا شك يعلم أنه فقيد اليتامى والمعسرين، وبرحيله افتقد الوطن أحد رموز العطاء والبذل، كما أن لديه (مؤسسة الحرمين والمسجد الأقصى) معنية بأيتام البوسنة بالذات، وقد لقي العنت من بعد وقف التحويلات المالية للخارج بعد أحداث سبتمبر الشهيرة. وسارع إلى إيصال الصورة الصحيحة للمسؤولين.
ومن شدة تواضعه لم يقبل أن يكون رئيسا لأي وفد يذهب فيه لزيارة مسؤول، بل كان يلقي الأمر على أحد زملائه، متعللا حينا بأنهم أخبر بالعمل، وحينا بثقل السمع، أو يلقي عليهم ابتسامة جميلة دون تعليل ليجبرهم على إعفائه من فكرة رئاسة الوفد التي يهرول إليها بعضهم.
بقي أن نذكر لمن لم يعلم أن هذا الرجل التقي النقي الصالح قد ضرب مثلاً عالياً في الطهارة والنزاهة وهو ما يشهد له موقفه الصارم واستنكاره الغاضب للملايين التي عرضت عليه رشوة من إحدى الشركات الكهربائية ليقر عقداً لتنفيذ بعض المشروعات.
فمن مثلك أيها الرجل الطيب النزيه؟!
rogaia143@hotmail.Com
ص. ب 260564 الرياض 11342