لا يختلف اثنان أن الثقافة العربية تمر بأحلك مراحلها ويتمثل ذلك في عدة أزمات وظواهر تحيط بالنسق المعرفي للعقل العربي, ومن هذه الظواهر ظاهرة الانكماش الثقافي الذي بدأ يغزو أطر الثقافة العربية ويهدد مقوماتها في ظل انهمار التيار العولمي وهدير مكوناته الجديدة، فبعد أن أصبح العالم قرية كونية صغيرة سادت فيها الثقافة الغربية، أصبحت هويات الشعوب وخصوصياتها على المحك، ولعلنا عندما نضع قليلاً من المقارنة بين متانة مقاومة هويات وثقافات أخرى كالصينية والهندية وغيرهما من معرفات الشعوب التاريخية نجد أن هناك ضعفاً في منافحة ثقافتنا العربية وتصديها للتيار العولمي.
وهذا ما يقودنا إلى القول: إن هناك عدة أطراف مطالبة بالقيام بعدة إجراءات ومهام يضطلع بها الكثير من المؤسسات العربية وفي مقدمتها جامعة الدول العربية، والتي أثبتت أمانتها العامة برئاسة عمرو موسى أنها على قدر من المسؤولية والالتزام، مما يجعل دورها في هذا الصدد في غاية الأهمية من خلال اتخاذ الخطوات الضرورية وإجراء الدراسات والبحوث وتقييم وضع الهوية العربية بشكل عام، بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والنخب الفكرية من أجل الوصول إلى ما يمثل حماية ومناعة ضد الاضمحلال والالتهام العالمي.
كما أن وسائل الإعلام العربي ووسائل الإنتاج الفكري به مطالبة بالقيام بدورها في هذا الصدد، من خلال الالتزام بإنتاج ما يعزز تصدر الهوية العربية وثبات مقوماتها سواء كان ذلك على مستوى الإنتاج السينمائي أو التأليف وغيره من المخرجات الفكرية والعقلية, التي بدأت تهددها منتجات الثقافة الواردة من خلف الحدود والمعلبة للتصدير إلى واقع الشعوب الأخرى، إما بسبب طبيعة سيادة الحضارات الأخرى وتشعب امتداداتها الطبيعة، أو بغرض الاستعمار الثقافي الذي لا يقل خطورة وكارثية عن الاستعمار السياسي والعسكري.
