يطالب القراء كتاب الجرائد بالتعبير عن مشاكلهم وهمومهم وإيصالها إلى المسئولين. إيصالها للمسئولين مسألة فيها نظر. المسئولون الجادون ومن يتملكهم الإحساس بالمسئولية يوفرون لأنفسهم آليات ومعايير وأجهزة رقابة تكفيهم عون الجرائد أو غيرها. لم أقتنع في يوم من الأيام أن الجرائد يمكن أن تأخذ هموم المواطن للمسئول أو غيره. ربما المقصود فضح الإهمال والتشهير بمرتكبيه. تمارس الصحافة نوعاً من الضغط على المسئولين. إذا أقرينا أن التجربة أكبر برهان فهذا الدور غير مجدٍ أيضا. لو جمعنا ما قالته الصحف عن وزارة الصحة مثلاً وعصرنا الحبر المهدر فيه في وادي حنيفة لسال الوادي العظيم وأغرق من يعيش على ضفافه ومع ذلك لم يحدث شيء. هذا ينطبق على كثير من الخدمات الحكومية الأخرى وليس الصحة فقط. حتى أننا بدأنا نلاحظ تناقصاً في عدد الكتاب المهتمين بالخدمات. كاتب الخدمات يشعر بالإحباط؛ لأنه في النهاية غير مفيد إلا إذا أخذنا في الاعتبار سيكلوجية القارئ عندئذ ستنتقل الصحافة إلى وظيفة أخرى نسميها (تبريد الكبود). امتصاص غضب الناس بتدوير القضايا. جعلها قضية رأي عام تسولف بها مجالس الاستراحات والملاحق والتجمعات والفاضين. هذا التدوير للقضية يمنح الإنسان صاحب القضية الإحساس أنه ليس وحده. العالم يصغي له. الأمة كلها معه حتى وإن لم يحصل أي شيء يخص مشكلته. طالما أن الصحافة لا دور لها في تغيير أداء الأجهزة الحكومية أتمنى أن تطلق وزارة الصحة مشروعاً شاملاً لدراسة نفسيات الناس وتأثير نظرية تبريد الكبد الصحفي على نفسياتهم. تدرس فيه أثر الطرح الصحفي على المواطنين والقدر الذي يساعد به على تعديل المزاج. أتمنى أن يقوم عدد من الخبراء بتحليل نفسيات الناس قبل وبعد قراءة شكوى مواطن أو التماسه لأبسط حقوقه أو بعد إهدار كرامته على صفحات الجرائد بالشحاذة أو غيرها. ما أثر أن يشاهد مواطن صورة مواطن مثله وهو يستجدي علاجاً أو يستجدي مساعدة لطفل معوق بتعليق صورته التي يتسلى بها الطيب والبطال من البشر, أو وهو يشاهد صورة رجل يقف بين أطفاله على باب صندقة يستجدي كهرباء أو منزل يستره ويستر عائلته. أعتقد أن وزارة الصحة بحكم التخصص هي أقرب جهاز يمكن أن تقدم لنا قراءة نعرف من خلالها الحالة النفسية للإنسان المهدر أو الذي يتفرج على مهدر.
تملك وزارة الصحة ميزتين لإنجاز هذه المشروع الأولى أنها الوزارة صاحبة الاختصاص في المسائل النفسية ولديها الكوادر القادرة على إنجاز هذه الدراسة، والميزة الثانية أنها أكثر الوزارات التي يشتكي منها الناس والتي تهدر كرامتهم بسبب سوء أدائها. شعار المشروع سيكون (أدرس نفسك بنفسك) أو نقدر نقول (سمننا في دقيقنا). ربما نواجه مشكلة يشوبها شيء من التعقيد. وزارة الصحة أكثر وزارة يشتكي منها الناس بسبب سوء أدائها فكيف نثق في نتائج ذلك الأداء الذي يدرس نفسه بنفسه. ليس أمامنا سوى أن نقول: حا حلها يا ابن سلوم.
Yara.bakeet@gmail.com