ما تزال مظاهر الترف والإسراف بارزةً في مجتمعنا، وما تزال الولائم الخارجة عن حدود المقبول المعقول تنتشر في مناسباتنا، وما يزال العقلاء الذين ينتظر منهم دور الإصلاح والقدوة في هذا الجانب يقعون في هذا الخطأ الاجتماعي المؤسف.
هنالك تعليم منتشر، وتوعية مستمرة, ومدارس ومعاهد وجامعات, ومساجد وخطب ومواعظ، وبرامج متعددة تبيِّن للناس الحقَّ والباطل, والخطأ والصواب، والحلال والحرام، وهنالك ثقافة منتشرة, ومعلومة متوفرة، وفتاوى لا تنقطع, وكتب ونشرات، وحجَّة قائمة على الناس. ومع ذلك كلِّه فإن كثيراً من المظاهر السلبية، والعادات السيئة ما يزال سائداً في سلوك كثير من المتعلمين، وكأنَّ ما لديهم من العلم والمعرفة غير قابل للتطبيق والعمل.
ولائم لا يكاد يصدق الإنسان ما يُنْقَل عنها من البذخ والإسراف، والتظاهر بالكرم، وما يحدث فيها من امتهان لنعمة الله عزَّ وجلَّ، وإهدار للمال والوقت والجهد، وأساليب جديدة في إعداد الموائد، وتقديمها، تهدف إلى الإبهار والتفاخر والتكاثر، حتى يكتمل نقص النفوس التي تصنع ذلك - كما يظن أصحابها - وما في ذلك إلا زيادة النقص، وتكريس شعور الناس به في مثل هذه المواقف التي لا تليق.
الكرم شيء، والبذخ الكاذب شيء آخر، كما أنَّ الزِّينة للمرأة شيء، والمبالغة في التبرُّج والعُرْي شيء آخر.
الكريم، يبذل ما يستطيع في إكرام الناس، وإذا استطاع قدَّم للناس ما يؤدِّي به واجب الضيافة دون تظاهر ولا تفاخر، ولا إسراف وتبذير. ولهذا يجد الناس عند الكريم من الأُنس والراحة النفسية، والشعور بالشكر والامتنان، ما لا يجدونه عند المتظاهر بالكرم مهما بالغ وأسرف.
إنَّ أكرم الناس قاطبةً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مع كرمه وجوده وإحسانه لا يتكلَّف، ولا يبالغ، ولا يبذِّر، راسماً بذلك أجمل صورة للكرم والسخاء.
إنَّ الكرم من أهم الصفات الجليلة في الإنسان، وهو من علامات الشهامة والسؤدد، وسمات العزَّة والشرف التي يتمنى كل إنسان أن يوصف بها، ولكنَّ هذه الصفة لا تتحقق بالإسراف والبذخ والتبذير، وإنما بسلامة الصدر، وحب الخير، وعدم التأخر عن أداء الواجب. لقد رأينا في مجتمعنا نهاياتٍ سيِّئة لأشخاص فهموا الكرم فهماً خاطئاً، فأسرفوا، وأقاموا الولائم الكبيرة، وألقوا بنعم الله في صناديق النفايات، فما جنوا إلا الخيبة والخسران، ولم يحصلوا على ما كانوا يريدون من مدح الناس وثنائهم.
عادة الإسراف من أسوأ العادات التي لا تليق بمجتمع مسلم يعرف حدود شرع الله، فما أجدرنا بالتخلَّص منها.
إشارة
اللهم إنا نسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك.
www.awfaz.com