Al Jazirah NewsPaper Monday  04/08/2008 G Issue 13094
الأثنين 03 شعبان 1429   العدد  13094
هل الصحراء حلقة مفقودة أو حوض مفقود في الدورة
الكربونية على الأرض؟: جدل علمي
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

من المعلوم أن البحار والمحيطات وما فيها من شعاب مرجانية تشبه الإسفنجة وتقوم بامتصاص ثاني أكسيد الكربون المنفوث في الفضاء. أما الآن فالصحاري، ممثلة في تربتها، تقوم بالدور ذاته الذي تقوم به البحار والمحيطات.

والسؤال المطروح هنا: هل اكتشف المتخصصون في الصحراء حلقة مفقودة أو حوضاً مفقوداً في الدورة الكربونية الأرضية؟

عندما بدأ (لي يان) قياس الكربون في صحراء (جوبا نتو نجون) الواقعة في غرب الصين في عام 2005م، ظن أن أجهزته القياسية لا تعمل، و(لي) ذلك المتخصص في علم الفيوسولوجيا الإيكولوجية، الذي يعمل في (الأكاديمية الصينية ومعهد الإيكولوجيا والجغرافيا) في يورومكي. اكتشف ذلك الباحث أن المنطقة التي يبحث فيها تتشبع بثاني أكسيد الكربون خلال الليل، ولقد استبعد فريقه العلمي بأن النباتات القليلة تشكل حوضاً كربوناً. وتوصل إلى نتيجة مفاجأة: تعمل التربة في صحراء (جوبا نتو نجون) على امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون بأسلوب حيوي.

وابتلاع ثاني أكسيد الكربون من قبل صحراء في الركن البعيد من الصين قد لا يكون ظاهرة فريدة من نوعها؛ إذ في نصف الكرة الأرضية من الجهة الأخرى، اكتشف الباحثون أن صحراء مهابي في ولاية نفادا الأمريكية، تمتص ثاني أكسيد الكربون بالمقدار نفسه الذي تمتصه الغابات في المناطق المعتدلة. ويدل هذان الاكتشافان في منطقتين مختلفتين من العالم على أن الصحراء تلعب دوراً مهماً في الدورة الكربونية الكوكبية.

ويذكر (لاين فينستر ميلر) المتخصص في الإيكولوجيا والاستشعار عن بعد والباحث في (معهد أبحاث الصحراء) في لاس فيجاس في ولاية نفادا، أن الصحراء عبارة عن حوض كبير لثاني أكسيد الكربون أكثر مما يتوقع. ذكر ذلك في مقالته المنشورة في إبريل الماضي في مجلة (التغير البيولوجي الكوكبي).

وتأثير ذلك عظيم إذا ما عرفنا أن 35 في المائة من مساحة الأرض اليابسة، أو 5.2 بليون هكتار، عبارة عن أنظمة إيكولوجية صحراوية وشبه صحراوية. ويقدر الباحثون أن الصحاري تمتص ما مقداره 5.2 بليون طن من الكربون سنوياً، أو نصف ما ينفث كوكبياً من الوقود الأرضي، ذكر ذلك (جون أرموني) الإيكولوجي في معهد أبحاث الصحراء السابق الإشارة إليه.

ويذكر هنالك آخرون أن ثاني أكسيد الكربون في التربة من الصعب قياسه ومن الضروري أخذ قراءات في أقاليم صحراوية وشبه صحراوية أخرى من العالم لتقرير إذا ما كانت النتائج التي تم التوصل إليها في كل من صحراء مهابي وصحراء جوبا نتو نجون، يمكن اعتبارها ممثلة أم شاذة. وهنا يقع العبء على الباحثين في الصحاري العربية للقيام بأبحاث ودراسات للإجابة عن سؤال مثل هذا.

وهنالك من يشكك في كون الأنظمة الصحراوية الإيكولوجية هي التي يبحث عنها منذ فترة لكونها (الحوض الكربوني المفقود). يذكر، على سبيل المثال وليم سسلينجر، الكيميائي في معهد كاري للدراسات الإيكولوجية في مدينة ملبروك في نييورك، أنه غير متأكد من أن الصحاري هي الحوض المفقود. كما يذكر أنه إذا كانت الصحاري تختزن الكربون فليس غريباً أن يكون ذلك، إذ منذ عام 1980م كان من الأوائل الذين درسوا الكربون في الأقاليم الصحراوية. ويذكر أنه يجب متابعة المجموعتين من الدراسات، ومتابعة الدراسات الأخرى في هذا الشأن.

ويحاول المتخصصون من وقت طويل التوصل إلى معرفة توازن توزيع الكربون في الأرض، ففي الوقت الذي يرتفع فيه مستوى الكربون بمعدلات عالية ومتسارعة، يمتص كوكب الأرض من الكربون أكثر مما يمكن قياسه ومن ثم حسابه. ولقد حاول الباحثون جهدهم لتحديد الحوض المفقود، وليس المحيطات والغابات، على الرغم من أن مسألة امتصاص ثاني أكسيد الكربون بواسطة الغابات معلومة من فترة طويلة، أما الصحاري فتعتبر أقل مرشح لمهمة امتصاص الكربون. وينظر إلى الأماكن التي لا حياة فيها على أساس أنها أماكن محايدة أو ليست مصدراً للكربون.

على بعد 20 كم من مدينة يورومكي الصينية هنالك مساكن من الصفيح القريبة من حقول القطن والعنب، وبعد حدوث الثورة الشيوعية في عام 1949م سرّح الجنود من الخدمة العسكرية لينتشروا في الريف الصيني، بما في ذلك مقاطعة زن جانج، لزراعة الأرض. وعند حافة المزارع الممتدة، والتي تأوي آلاف الأسر، تبدأ صحراء (جوبا نتو نجون). وتقع المحطة البحثية، التي يديرها (لي) بين نظامين إيكولوجيين: زراعي وصحراوي. ويلاحظ في السنوات الأخيرة زيادة في نسبة التساقط (المطر) في صحراء (جوبا نتو نجون) مما نتج عنه انتعاش في الأحراش والنباتات. وقام لي بقياس مقدار المحتوى الكربوني في التربة في الواحات الزراعية مقارنة بما في التربة الصحراوية. وبناء على النتائج، يذكر لي أن الصحاري أصبحت أشبه ما تكون ب(المحيطات الجافة)، كناية عن مخزونها الكربوني.

وفي المحيطات ينخفض الph تدريجياً عندما يتم امتصاص ثاني أكسيد الكربون، مكوناً الآسد الكربوني، ولا يحدث ذلك في التربة، أي أن التربة الصحراوية تظل ألكالاين، على الرغم من الامتصاص لثاني أكسيد الكربون. وقد يعود ذلك لعملية التملح (ازدياد الملوحة) والتي تدفع بph في الاتجاه المعاكس، مسهلة أمر امتصاص ثاني أكسيد الكربون.

أما جين بلناب، التي تعمل في هيئة المساحة الأمريكية في مواب في ولاية يوتاه، فلا تعتقد أن امتصاص الكربون الملاحظ في الدراسات الصينية يعود إلى القطاع البيولوجي للتربة.

وتقول: (إن دراساتنا، في الصحراء جنوب يوتاه، لا تظهر مثلما أظهرته الدراسات الأخرى). وعلى افتراض وجود هذا المخزون العظيم من ثاني أكسيد الكربون في الترب الصحراوية، فهنالك من يذكر أن ازدياد نسبة التساقط السنوية في هذه الصحاري يعمل على إطلاق المخزون الكربوني في الأثير، مما يسهم في ازدياد التسخين الأرضي.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد