المصيبة القاتلة، السرعة المميتة هي التي تتربص بنا، رغم محاولاتنا التواري عنها، والعمل جاهدين على أن نتملص منها. فالسرعة هي وليدة حياتنا، وصنع واقعنا، وربيبته الذي بات يلهث لفرط ركضه خلف أطياف مختلفة يشبه بعضها السراب. لم نأخذ من عصر السرعة- للأسف- إلا هذا الجموح المخيف للسيارات ففي كل مكان مكان، كأننا فهمنا أن عصر السرعة هو أن تسرع، وأن تجازف بحياتك وتخاطر بسيارتك وتعرض حياة من حولك للمصائب. أبداً لن تكون هذه السرعة هي المقصودة لدى مخترعيها. فنحن نطبق كل النظريات الجديدة التي نستجلبها ونحاكيها بما فيها من سلبيات، وكأننا ملزمون بفعل ذلك، في وقت كان من الأجدى أن نبرع في استخلاص المفيد والنافع، لنحقق معادلة المتعة والفائدة في كل ما نستقطبه من كماليات أو ضرورات تفد إلينا على جناح السرعة.
السرعة في السيارات على وجه التحديد قاتلة ونتائجها أليمة، فكم عدد من فقدنا من الأهل والأحباب والأصدقاء الذين لم يبق منهم شيئاً سوى الذكريات؟ وكم فجعت الكثير من الأسر حينما يتحول اسم حبيب مهندس شاب أو ملازم يافع أو فني مقبل على الحياة إلى مجرد لفظ (ميت)؟ أو كما يرد في شهادة الوفاة (المتوفى) فلا يبقى إلا هذا الاسم عالقاً في ذواكرنا في آخر لقاء به.
وكم من عائلة افتقدناها بأكملها حينما رحلت إلى دار الحق بسبب السرعة التي قد تكون من أخطاء الآخرين، المتهورين عادة، هؤلاء الذين يتسببون في أذى أنفسهم وأذى الآخرين، ليخلفوا مشاهد الفزع والإجفال على أنقاض مجازرهم الوحشية. ف(السرعة القاتلة) عادة ما تتشفى بمصابنا، وتخرج لسانها نكاية بنا، لأن هناك من سلم سيارة جديدة وسريعة لطفل لم يبلغ، أو ليافع مراهق لا يحصد أهله إلا الندم بعد رحيله، فيدفع المجتمع الثمن فقداً لرمز من رموز الحياة، شباب يفارقون الحياة بلمحة بصر دون أي مبرر سوى السرعة والتهور والجنون.
فقد كانت العرب تصنف بعض مظاهر الإقدام بمترادفات لفظية مفيدة جداً، فالإقدام قد يكون طيشاً، والشجاعة تهوراً. فهب أننا في معركة، فقد ترى من يسقط بفعل نزق أو طيش تولده لحظات تهور وعدم حساب للعواقب، تماماً مثلما يحدث الآن في شوارعنا، وعلى طرقنا السريعة بين المدن، لتجد أن نزق التهور هو الواضح في الكثير من الحوادث الأليمة التي نسمع عنها، ويكتب حولها، وتكون حديث المجالس.
الأخطر من ذلك أن شاباً حضرنا مجلس العزاء فيه -رحمه الله- فانبرى والده وعمه الوحيد، وأخواه في سرد تفاصيل حادثه المروع على طريق (الثمامة)، فكانوا يكيلون التهم للشركة أو الوكالة التي باعتهم السيارة الجديدة جداً ليسموها بأنها هي من تسببت في حادث الشاب -رحمه الله- لكن مع الوقت ردت الوكالة على ذويه مؤكدة بأن السيارة جديدة وسليمة، إنما السرعة وبشهادة من كانوا حول الحادث أنها كانت بنحو (200 كيلو - ساعة)، فمحامي الشركة نجح في كشف ادعاء الأسرة، وتبرير أخطائهم على هذا النحو الفاجع والأليم. فالسرعة القاتلة قد تكون نتائجها أليمة لا سيما في فصل الصيف، وفي بداية الإجازات، ونهايتها، فما يساعد على النتائج المأسوية لها أيضاً هو تدني مستوى صيانة الطرق، وضعف مواصفاتها.
Hrbda2000@hotmail.com