Al Jazirah NewsPaper Monday  04/08/2008 G Issue 13094
الأثنين 03 شعبان 1429   العدد  13094

على هامش المؤتمر عن الإرهاب (2)
د.عبدالله الصالح العثيمين

 

كان اليوم الأخير من أيام المؤتمر الدولي عن (الإرهاب في العصر الرقمي) في عمان. وفي إحدى جلساته تحدثت امرأة شيشانية الأصل انتقلت من بلادها إلى أمريكا قبل سنوات قليلة، وتعمل وقت مجيئها إلى المؤتمر موظفة في وزارة الدفاع الأمريكية في العراق،

شأنها شأن عشرات الآلاف من المرتزقة.

ولم يكن غريباً منها ومن أمثالها أن كان حديثها مركزاً على ما سمَّته الإرهاب الإسلامي. وخطر ببالي - وأنا أستمع إلى ما كانت تقوله ذلك المثل الشعبي القائل: (يجيك من ذيلك ما يفت حيلك). وكان من أحسن الذين ردوا عليها رداً جيداً باحث هندي غير مسلم، إذ أوضح بالبراهين الدامغة أن الإرهاب لا دين ولا جنسية له.

وكان من بين الأمور التي اقترحها بعض المتحدثين حث الأمم المتحدة على اتخاذ موقف أكثر حزماً وجداً لمكافحة الإرهاب. وكنت من بين الذين علقوا على ذلك الاقتراح. وقلت: إن من المهم أن ينظر إلى الواقع بكل وضوح وصراحة، وإنه لا يجهل أحد لديه مقدرة على التأمل في الواقع أن أبشع صور الإرهاب هو إرهاب الدولة. وإذا كان الأمر كذلك فليُتكلَّم بصراحة، ولتُحدَّد أوضح الدول إرهاباً الآن. ولا يخفى أن إرهاب الدولة يتضح أكثر ما يتضح في إرهاب الدولة الأمريكية والدولة الصهيونية. وهيمنة الدولة الأمريكية على مجلس الأمن واضحة، ونفوذ الصهاينة على مفاصل الحياة في هذه الدولة المهيمنة واضح أيضاً. فهل تستطيع الأمم المتحدة التي يتكون أكثر أعضائها من دول هي إلى التبعية أقرب منها إلى الاستقلال عملياً وواقعاً أن تكبح جماح الدولة المهيمنة فعلا عليها أو تحد من غطرستها؟

وكنت قد قلت -قبل بلوغ هيمنتها الذي بلغته الآن- قصيدة منها:

تملك الدنيا وتحكمها

بعصا الإذلال والدّخن

دولة من كيدها ملئت

جنبات الأرض بالمحن

مجلس الأمن الذي زعموا

حيثما شاءت له يكن

وأمين من صنائعها

نصّبته غير مؤتمن

على أن رئيس هذه الدولة المتحكمة في مجلس الأمن، المهيمنة على مجريات الأمور في الأمم المتحدة، قد أعلن أخيراً فشل هذه المنظمة في التعامل مع قضية فلسطين بالذات، ملوحاً بذلك إلى أنه لم يعد أمام الفلسطينيين ومن يؤيدونهم، حقيقة أو ادعاء، إلا أن يقبلوا رؤيته هو بالذات، وهي الرؤية التي لم تكن في يوم من الأيام - ولن تكون في بقية أيام رئاسته التي تقترب صلاحيتها من الانتهاء- مختلفة عن رؤية قادة الكيان الصهيوني.

وكان من بين الذين شاركوا في المؤتمر امرأتان من الولايات المتحدة الأمريكية. ومن خلال حديثي المطوَّل معهما تبيَّن لي مدى ما يحتاج إليه كثير من الأمريكيين والأمريكيات من معلومات عن قضايا الشعوب في العالم، وبخاصة عالمنا العربي. كان من بين الأمور التي تناولها الحديث قضية فلسطين ووضع المرأة في وطننا العزيز.. المملكة العربية السعودية. ولقد أبديتا استغراباً عندما ذكرت لهما قدم ملامح التصهين في أمريكا، مثل كون أول رسالة دكتوراه في جامعة هارفرد سنة 1642م عنوانها (العبرية هي اللغة الأم).

ومناداة الرئيس الأمريكي جون آدفر -عام 1818م- بإقامة دولة يهودية مستقلة في فلسطين، وكون الرئيس ولسون، صاحب المبادئ المشهورة أول زعيم غربي يؤيِّد وعد بلفور المشؤوم إلى آخر ما هو ظاهر مستمر من وقوف إدارات أمريكا المتعاقبة إلى جانب الصهاينة العنصريين.

وكان مما قلته: إن نظرة الأنجلو- ساكسون الاستعلائية المتغطرسة قد تجلت في تعامل من كانوا يحملونها مع سكان أمريكا الأصليين الذين سمّوا بالهنود الحمر. وكان من الممكن أن ينسى العالم، وبخاصة غير أولئك الذين ارتكبت ضدهم الجرائم البشعة من سكان أمريكا الأصليين، تلك الفترة المقيتة أو يتناسوها. وهذا ما حدث -إلى درجة كبيرة- بالنسبة للإسبان والبرتغاليين الذين فعلوا بأهل أمريكا الجنوبية الأفاعيل. لكن الذين ينتمون إلى أصل أنجلو- ساكسوني واصلوا نظرتهم الاستعلائية، بل وعمّمُوها.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية -في نظر الكثيرين- أعظم المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، بغض النظر عن الجانب الأخلاقي لبعض ما ارتكبته فيها أو كثير منه. وكان من مؤشرات تعمّق تلك النظرة الاستعلائية لدى أكثر قادتها أن تحولت إلى غطرسة لم يدركها كثير من غير الأمريكيين فحسب، بل برهن على وجودها عدد من الأمريكيين أنفسهم. ولا يمكن فهم ما ارتكبه أولئك القادة تجاه كثير من الشعوب -وفي طليعتها فيتنام وكوريا وأخيراً أفغانستان والعراق- بمنأى عن ذلك الاستعلاء وتلك الغطرسة.

على أن أولئك القادة المستعلين المتغطرسين المستأسدين على الشعوب يبدون نعاماً أمام جبروت نفوذ الصهاينة المتغلغل في مفاصل الحياة الأمريكية؛ بحيث راح كل واحد منهم - وعلى رأسه الطاقية الرمزية اليهودية- ينافس الآخر في إعلانه دعمه لكيانهم الصهيوني العنصري المحتل لفلسطين المرتكب لأبشع أنواع الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني.

وكان مما قلته للأمريكيتين: إن المنصفين من الشعب الأمريكي يتخذون مواقف مقدَّرة، ومن هؤلاء أُناس قدموا إلى فلسطين المحتلة، وشاركوا في احتجاجات ضد بناء الجدار الصهيوني العنصري. وكان بينهم امرأة دهستها جرافة صهيونية حتى فارقت الحياة. ودهشت المرأتان عند سماع ذلك، وقالتا: إن هذا لم ينشر في وسائل الإعلام في أمريكا. ثم قالت إحداهما: انظر، إن هناك أفراداً قليلي العدد يسيطرون على وسائل الإعلام لدينا. وكل ما لا يرون مناسبته اطلاع الرأي العام عليه لا تظهره تلك الوسائل.

أما بالنسبة لوضع المرأة في وطننا العزيز.. المملكة العربية السعودية.. فمما تبيَّن لي أنهما كانتا تعتقدان أن المرأة في بلادنا لا يحق لها أن تمتلك ثروة، وأن الإرث يذهب إلى الابن الأكبر من أولاد المتوفى فقط. وقد أوضحت لهما أن ذلك غير صحيح. فلكل من أولاد المتوفى، ذكراً أو أنثى، نصيب من الإرث حسب ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية. ولا أثر لعامل السن في تقسيم الميراث. والمرأة لا تمتلك الثروة فحسب، بل إن الشريعة الإسلامية التي يجري القضاء في بلادنا وفقها، لا تجبرها على الإنفاق من ثروتها شيئاً على بيتها. ذلك أن مسؤولية الإنفاق على عاتق زوجها وحده. والمرأة في بلادنا -إضافة إلى هذا الوضع المتعلق بالتملك- وصلت إلى مراتب عليا في تولي المناصب الإدارية الحكومية. ومن النساء من أصبحن عضوات في الغرف التجارية.

وفق الله الجميع لما فيه الخير والسداد.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد