تعتمد الأسواق المالية على ثلاثة أنواع من التحليل وهي الأساسي والمالي والفني وإذا نظرنا للتحليل الفني تحديدا فنجد انه يعتمد على قراءة الماضي والحاضر للتنبؤ باسعار المستقبل ويستخدم لاجل ذلك برامج تعتمد على قياس جوانب عديدة من المعلومات التي تتوفر عن كل سهم أو سوق حتى يتم ومن خلال الخرائط البيانية والمؤشرات الفنية قراءة السلوكيات المتوقعة لاتجاه الأسواق وأسعار السلع والأسهم وقد تم اعتماده كعلم منذ سنوات طويلة حيث تعود بدايات توثيق المعلومات التي تخدم التحليل الفني منذ العام 1900م من قبل تشارليز داو الذي يعتبر الاب الروحي لعلم التحليل الفني ويعتمد متعاملو الأسواق عليه في تحديد أسعار الدخول والخروج من الأسهم خصوصا في عمليات المضاربة وكشف بعض السلوكيات التي تخفي خلفها معلومات تظهر للمحلل الفني على شكل إشارات يعرف من خلالها أن هناك أخبارا قادمة ستؤثر على الاتجاه بالمستقبل، وقد كشف المحللون الفنيون أن شركة انرون تخفي معلومات سلبية دون أن يعرفوها إلا من خلال البيوع الكبيرة التي كانت تتم من قبل مدراء الصناديق وتحقق ذلك وافلست الشركة بسبب الفساد المالي والاداري الذي كانت الشركة تقع تحت وكاته تحاول اخفاءه.
والتحليل الفني علم يؤخذ به في كل الأسواق دون استثناء لأنه يعتمد على الاحصاء وما دامت الأرقام موجودة وتوثق كبيانات تاريخية فإن لعلم التحليل الفني وجوده بكل سوق حتى لو كان ناشئاً كحال السوق السعودي ولكن اشكالية التحليل الفني بسوقنا تكمن في جوانب عديدة يبرز أولها غياب التقارير المالية والابحاث التي تغطي جوانب التحليل الأخرى والتي بدأت بالظهور مؤخراً على استحياء مما جعل الكثير يلجأ للتحليل الفني لاتخاذ قراراته بالتعامل مع السوق من خلال الاعتماد على اجتهادات المحللين الفنيين والتي تنشر عبر المواقع الإلكترونية.
كما شكلت ظاهرة انتشار تعليم التحليل الفني من خلال مراكز التدريب ظاهرة جعلت الكثير يلجؤون لها لتعلمه دون أن يكون هناك تنظيم لمراقبة مخرجات تعليمه فكان هناك تباين كبير بين هذه المراكز من خلال ما تقدمه من علم فلا توجد هناك منهجية واضحة يقدم فيها العلم بشكل صحيح وسليم إلا لدى القلة كما كان لدور المؤهلين لأعمال التدريب وعدم التوثق من كفاءتهم الدور السلبي الآخر على المتدربين بحيث فقدت الفائدة التي كانوا يرجونها مما تعلموه رغم أن الاقبال كان كبيراً نظراً لارتباط نسبة كبيرة من المجتمع بسوق المال إلى درجة أصبحنا سوق المليون محلل.
والمشكلة هي حماس من تعلموا التحليل الفني ولم يمر على اكتسابهم لعلومه اشهر حتى أصبحوا يصدرون التوقعات دون أن يتمرسوا بشكل جيد، فكبار المحللين الفنيين العالميين ينصحون طلبتهم بان يشاهدوا آلاف الخرائط حتى يكتسبوا الخبرة قبل أن يبدأوا باصدار آرائهم مما أفقد التحليل الفني مصداقيته بسوقنا كون الكثير هم من المتعلمين الذين اصبحوا رسامين أكثر من مهنيين أو موهوبين وبالتالي لم يعد حتى المتمرسون أو المهنيون ذوو الكفاءة العالية أصحاب صوت مسموع مع زحمة الرسومات وكثرة الآراء التي خالفت توقعاتهم مما أثر سلبا على الثقة بالسوق عموما بل يرى البعض أن سوقنا لا يخضع لأي نوع من التحليل، وهذا غير صحيح بالمطلق فلو كانت الدراسات الفنية تصدر عن مؤسسات معتمدة ومن خلال الخبراء الحقيقيين لكان الوضع مختلفا ولما حمل التحليل الفني مسؤولية الانتكاسات التي مازالت جاثمة على السوق والمتعاملين فيه.
التحليل الفني يحتاج إلى تنظيم بمخرجات تعليمه واعتماده كأحد أدوات التعامل مع السوق أمر ضروري وتبيان حجمه باتخاذ القرار لا يمكن أن يتم إلا عندما يصدر عن المهنيين الذين يوضحون للمتعاملين دوره الطبيعي ولا يحملوه أكثر مما يحتمل كما أن الجهات المعنية بالاشراف على مراكز التدريب يجب أن تلزمهم بمناهج محددة وأسلوب علمي مع التركيز على نوعية الكفاءات التي تقوم بالتدريب بخلاف التوعية بأهمية التحليل الفني وتحديد نسبته باتخاذ القرارات ولن يعلم المحللون بأن ما يصدرونه من تقارير تكتنف أهميتها بأنها تتعلق باستثمارات وأموال لا مجال للمجازفة بالطروحات العشوائية فيها إذا كانت خبرة المحلل بسيطة فالأموال التي هدرت بسبب مثل هذه التقارير كانت كبيرة والمتداولون خسروا مدخراتهم لاسباب كثيرة تتعلق بتنظيم السوق وغياب المعلومات والشفافية عنه ولكن حملت كل هذه الخسائر على التحليل الفني بنسبة كبيرة جداً.