رأيت أخا الدنيا وإن بات آمنا |
على سفر يُسرى به وهو لا يدري |
بالأمس القريب رحل أخوه الفاضل عبد الله بن إبراهيم السلوم، وقبله بفترة ليست بالبعيدة غادر الحياة أخواه: محمد ود. حمد - زميلنا بدار التوحيد بالطائف - عامي 71-1372هـ، واليوم الخميس 21-7- 1429هـ لحق بهم شقيقهم الدكتور - لواء - يوسف بن إبراهيم السلوم - رحمه الله - بعد صراع طويل مع المرض الذي نغّص عليه حياته، وجعله يعيش قلقاً متنقلاً ما بين منزله ومستشفى القوات المسلحة، مع تجدُّد أحزانه على فقد إخوته الثلاثة، وتتابعهم الواحد تلو الآخر حتى وصل دوره فلحق بهم - رحمهم الله جميعاً -، وقد خيم الحزن على أجواء أسرة آل سلوم ومحبيهم، حيث انتهت أيام الإخوة الأربعة - الكبار - من أيام الدنيا، وهذه سنّة المولى في خلقه: قادمٌ وراحلٌ ..، ولقد تكرر أمام ناظريه هز نعوشهم صَوب المقابر مراقد الراحلين مما جعل همّ الرحيل يساوره ويقلقه، ولسان حاله يتمثل بهذين البيتين: |
أؤمِّل أن أحيا وفي كل ساعة |
تمر بي الموتى تهز نعوشها |
وهل أنا إلا مثلهم غير أن لي |
بقايا ليال في الزمان أعيشها! |
وقد استوفى حقه من ليالي العمر - رحمه الله - بعد ما عاش مع أسرته وبين إخوته في أجواء جميلة يسودها الود والتآلف، والتواصل المستمر بينهم، وبين معارفهم مدى حياتهم حتى فرّقهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، وأذكر أنّ الدكتور حمد وأخواه محمد ويوسف وبعض أبنائهم قد خصصوا بعد المغرب من كل ليلة لزيارة شقيقهم الأكبر عبد الله وخاصة حينما أقعده الكبر لتبادل الأحاديث الودية معه، والاستفادة من تجاربه في الحياة ومن مخزون ذكرياته..، وإيناسه وتخفيف وحشة الوحدة عنه داخل منزله .. متطرقين لأيام الصغر والطفولة وهم بين أحضان والديهم. وما يجري في تلك الأيام من ذكريات جميلة يردِّدونها بينهم تلذُّذاً بالماضي البعيد..، فجلوسهم معه مما يؤنسه ويدخل السرور بين جوانحه، ولكن أيام السرور لا تدوم أبداً: |
ما أحسن الأيام إلا أنها |
يا صاحبي إذا مضت لا تعود |
وكثيراً ما يستحضر مثل هذا البيت للحث على تحمل مصائب الدنيا مردّداً: |
تعز فلا إلفين بالعيش متعا |
ولكن لو راد المنون تتابعا |
ولقد عاش الدكتور يوسف - أبو عبد الله - منذ فجر حياته مكافحاً وجاداً في كل المراحل الدراسية حتى نال درجة الدكتوراه من إحدى جامعات المملكة المتحدة..، وكان هدفه أن يخدم وطنه بكل إخلاص وأمانة، وليكون قدوة حسنة للأجيال المثاليين، حيث حصل على رتبة لواء بالجيش السعودي قبل رسالة الدكتوراه، وقد تقلّب في عدد من المناصب العالية منها: مدير عام التخطيط والميزانية والمتابعة لوزارة الدفاع والطيران، ثم تعيينه مديراً للمصانع الحربية بالخرج، وقائد منطقة المدينة المنورة، ومدير إدارة التفتيش، وأمين عام الخدمة العسكرية بالديوان الملكي، ثم سفيراً في كينيا، وأخيراً عضواً في مجلس الشورى للدورتين. بعد ذلك أخلد إلى الراحة والكتابة عبر الصحف والمجلات، وإعداد مجموعة من مؤلّفاته ومذكّراته: تحت الطبع الآن ليقتات منها من بعده - تغمّده الله بواسع رحمته - ولقد اتصف بالحزم والشجاعة في الرأي وإفهام من تحته بإتقان ما يؤكل إليهم من أعمال محاطة بالسرية التامة، فهو رجل عالي القامة في المحافل العسكرية، وله مكانة لدى ولاة الأمر لما يتمتع به من حنكة وإخلاص وتفانٍ في خدمة الوطن وأهله، ومع ذلك كان دمث الأخلاق لطيف المعشر محباً للقراءة واسع الأفق والاطلاع على كل جديد، وقد ظهر ذلك جلياً في قوة أسلوبه ومتانته، وأحاديثه الشيِّقة النابعة من تراكم المعلومات من مخزونات ذاكرته فهي نبع ثر يقتات منها في كل مجال يكتبه أو يتحدث فيه، ولئن غاب عن نواظرنا شخص أبي عبد الله فإنّ ذكره الحسن لا يبرح خواطرنا مدى العمر، والأمل في أبنائه الكرام أن يبادروا بطبع مؤلّفاته ومذكّراته التي بذل في إعدادها عصارات أفكاره النيِّرة، كي يُستفاد منها، ولتبقى مرجعاً وذكراً خالدة على تعاقب المَلَوَين .. وفي ختام هذه الكلمة الوجيزة أرجو من المولى أن يسكنه فسيح جناته ويلهم ذرِّيته وأبناءه وبناته وعقيلتيه أم عبد الله وأم فيصل الصبر والسلوان. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. |
-حريملاء |
|