إن مشكلة مَطْل المدين وتأخره في أداء ما عليه من الديون من القضايا المهمة التي تشغل بال التجار والصناعيين والمستثمرين والممولين وذوي النشاطات الاقتصادية المختلفة في عصرنا الراهن.
وإذا كانت التشريعات والقوانين في العالم قد عُنيت بوضع حل لهذه المشكلة بحيث يكون رافعاً لأضرار المماطلة مزيلاً لآثارها كاشفاً للظلم عن الدائن الممطول.
فإن الفقه الإسلامي قد سبق تلك التشريعات والقوانين الوضعية بمنهج فريد يحمل في طياته العدل والانصاف ويتضمن كفاءة قصوى لحمل المدين المماطل بغير حق على الوفاء بالالتزام والأداء في الأجل المحدد.
وقبل بيان أهم الآثار المتربة اقتصادياً على المماطلة في تسديد الديون سواء على الدائن أو المدين، أحب الإشارة إلى المراد بالمدين والمقصود بالممالطة.
إن المراد بالمدين هو كل من شغلت ذمته بمال للآخرين سواء أكان ذلك الحق الشاغل للذمة حالاً أم مؤجلاً وسواء أكان سببه قرضاً أم معاوضة أم إتلافاً أم غير ذلك من موجبات ثبوت الدين في الذمة.
أما المماطلة فتعني منع قضاء ما استحق اداؤه. ويدخل في ذلك كل من لزمه حق كالزوج لزوجته والسيد لعبده والحاكم لرعيته وبالعكس.
إن من أهم ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الموضوع أن المدافعة والتسويف في أداء الدين لا يعد مطلاً إلا إذا كان الدين حالاً غير مؤجل، فأما إذا كان مؤجلاً في الذمة لم يحل وقت وفائه بعد، فلا حرج على المدين في ذلك، لأنه متمسك بحق شرعي في التأجيل.
ولا نزاع بين العلماء في أن المدين المليء إذا امتنع عن الوفاء بلا عذر فإنه يلزم تعزيره بالعقوبة الزاجرة التي تحمله على المبادرة إلى رفع ظلمه وضرره عن الدائن الممطول وهي مرنة في طبيعتها تختلف نوعاً وقدراً ورتبة بحسب لدده وما يُجدي معه من أساليب الاضجار والإلجاء إلى فعل ما يجب عليه فعله والأمر فيها موكول إلى القاضي ليختار منها ما هو أولى وأصلح لرفع الظلم وتحقيق العدل.
وقد حدد بعض الفقهاء المعاصرين بعد تتبعه للعقوبات الشرعية التي تكفل حمل المدين على الوفاء، تلك العقوبات في عشرة:
1) قضاء الحاكم دينه من ماله جبراً.
2) إجباره على بيع ماله وقضاء دين الغرماء.
3) منعه من فضول ما يحل له من الطيبات.
4) تغريمه جميع نفقات الشكاية.
5) إسقاط عدالته وردّ شهادته.
6) تمكين الدائن من فسخ العقد الموجب للدين.
7) حبس المدين في موضع خشن.
8) ملازمة المدين.
9) ضرب المدين الذي لم تلجئه تلك العقوبات إلى رفع الظلم والضرر.
10) بيع الحاكم عليه ما له.
أما أبرز الآثار الاقتصادية المترتبة على مماطلة المدين الدائن في سداد الديون والوفاء بالالتزام، فمنها:
1) ما يحمله مطل المدين من ظلم للدائنين.
2) ما يورثه مطل المدين من ضرر بالغ بالدائنين.
3) ما يؤديه مطل المدين من إعاقة حركة المال والاقتصاد في المجتمع.
4) ما يحدثه مطل المدين من تعطيل كثير من مصالح الأمة الحيوية.
5) ما ينشأ نتيجة مطل المدين من خلل في بنية الحياة الاقتصادية، لأن الثقة بوفاء الحق في أوانه وقضائه في أوانه أساس الائتمان وقوام المداينات المثمرة، وفقدان ذلك ينتج - لا محالة - ذلك الخلل.
6) وبعد، فلا عجب أن نقرّر مؤكدين أن مشكلة مطل المدين وتأخره في أداء ما عليه من الديون من القضايا التشريعية والاقتصادية المهمة في عصرنا الحاضر.
المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية