قد يستغرب البعض إذا عرف أنه في عصر التقدم الطبي الحديث، وفتح كليات الطب المتخصصة في مجالاته المتنوعة، وفي عصر العلاجات الطبية بالأجهزة التقنية الدقيقة، وفي عصر علم الأحجار الكريمة GEMOLOGY الذي يدرس في بعض الجامعات حيث توصل إلى التفاصيل الذرية للأحجار الكريمة، وفي عصر انتشار أسواق المجوهرات، في أجواء هذه التطورات الحديثة يخرج من يدعون أن ذلك الحجر الكريم يمنع السموم، وأن الحجر الكريم الآخر يعالج الصرع، وأن الحجر الكريم الفلاني يشفي الروماتيزم... إلخ.
إن هؤلاء يرددون من كانوا يدعون بتلك الأقاويل قبل مئات بل وآلاف السنين!! ولو سألت أحدهم، وهو من يدعي بأنه (خبير) في الأحجار الكريمة ولديه مجموعة منها، عن التركيب الكيميائي أو النظام البلّوري لحجر من الأحجار الكريمة لرأيته أخرس. مع العلم أن علم الأحجار الكريمة مبني أساساً على المركبات الكيميائية والأشكال البلّورية لهذه الأحجار النفيسة. لقد أصبحت الخواص العلمية والتفاصيل الذرية للأحجار الكريمة موثقة بواسطة الأشعة السينية والمجاهر الضوئية والإليكترونية والأجهزة العلمية المختلفة. وتُصنّف هذه الأحجار الثمينة علمياً ضمن المعادن المستخرجة من الأرض. وتوجد مواقع لبعضها في أراضي المملكة.
ومن ميزة الجواهر منها أنها لا تتأثر بالبيئات المحيطة بها؛ ولذلك تظل متلألئة لعقود عديدة وبعضها لقرون.
الألماس DIAMOND من أفضل الأحجار الكريمة، ويتركب كيميائياً من عنصر الكربون (ك) فقط. وتترتب ذرات الكربون بلّورياً في الألماس ضمن النظام التكعيبي للمعادن، وتتميّز بلّورات الألماس النقية من الشوائب والمصقولة بطريقة ممتازة بأسعارها الغالية؛ وذلك لحسن جمالها وندرة أمثالها وانعكاساتها اللافتة للأضواء. فعلى سبيل المثال، نشرت الجزيرة في الرابع والعشرين من ربيع الأول 1429هـ صورة لألماسة قُدّر ثمنها بحوالي تسعة وأربعين مليون ريال. فهل تنافس تجار المجوهرات على تلك الألماسة، أو غيرها، من أجل أن تبطل السموم، كما يزعم أولئك الجهلة؟! إن إبطال مفعول السموم في الأجسام يتم بواسطة الأطباء المتخصصين الذين يجرون الفحوصات الطبية والتحاليل المخبرية ليحددوا طريقة العلاج، وليس بوضع فص من الألماس في الجيب كما يزعم أولئك المتخلفون.
يتركب الياقوت الأحمر RUBY والياقوت الأزرق (الزفير) SAPPHIRE كيميائياً من عنصري الألمونيوم والأوكسجين (لو 2 أ 3). وتترتب الذرات للعنصرين بلورياً ضمن النظام البلوري السداسي للمعادن. كما توجد جواهر من الياقوت بألوان بنفسجية وصفراء وخضراء. وتعود فروقات الألوان في اليواقيت لوجود عناصر كيميائية دخيلة. فهل يشفي حمل ياقوتة الصرع لدى مريض يحتاج لفحوصات طبية ومتابعات علاجية؟ هذا سؤال موجه لأولئك الأدعياء أن يأتوا بالتعليلات العملية للشفاء وليس قال فلان ونقل عن علان من الأولين.
وبمناسبة ذكر اليواقيت فإن التاج الملكي البريطاني مرصع بالياقوت الأحمر والياقوت الأزرق، إلى جانب جواهر أخرى، وتزين مقدمته ياقوتة حمراء لافتة للأنظار لكبر حجمها.
ويزعم (خبيرهم) أن حجر المغناطيس يُذهب الروماتيزم. وإن كان زعمه هذا مفيداً لمرضى الروماتيزم، مع أنني أشك في هذا مائة بالمائة، فليذهب المرضى إلى جبل قساس المكون من حجارة المغناطيس ويأخذ كل واحد منهم حجراً ليعالجه من هذا المرض حسب زعم ذلك (الخبير).
ويقع جبل قساس جنوب منجم الأمار بمنطقة الرياض. وكانت رسالة الماجستير للدكتور مكي إبراهيم عبد العزيز عن هذا الجبل المغناطيسي الذي يشكل إحدى ثروات الوطن المعدنية. وكان معهد الجيولوجيا التطبيقية (كلية علوم الأرض حالياً) بجامعة الملك عبد العزيز قد نشر هذه الرسالة الجامعية في عام 1397هـ. كما يوجد تل مغناطيسي في منطقة مكة المكرمة واسمه مثقال.
إن اختلاف أنواع الروماتيزم يعالجها الأطباء بعد فحوصات لتحديد المسببات وليس بحجر مغناطيس يمكن جلبه من قساس أو مثقال أو جبل مغناطيسي آخر، مع العلم أن حجر المغناطيس يتكون أساساً من معدن المغناطيس MAGNETITE الذي يتركب كيميائياً من عنصري الحديد والأوكسجين (ح3 أ4)، وتترتب الذرات للعنصرين بلّورياً ضمن النظام البلوري التكعيبي للمعادن. والمغناطيس ليس مصنفاً من المعادن التي تشكل الأحجار الكريمة.
من يزعمون أن الأحجار الكريمة مفيدة علاجياً ومناعياً، كما كان متداولاً عند الفراعنة والكلدان والرومان وغيرهم، فعليهم أن يأتوا بالبراهين والتعليلات العلمية الدقيقة ويعملوا التجارب التطبيقية أمام المتخصصين في الطب، وإنني متأكد أنهم لن يعملوا هذه خوفاً من انكشاف بطلان ما يرددون على أسماع السذج من الناس.
من المفيد للقراء الكرام معرفتهم أن الأحجار الكريمة المستخرجة من أرض الوطن تساهم ضمن الاستثمارات التعدينية الوطنية التي وصلت مؤخراً لأربعين مليار ريال وفقاً لما نشرته الصحافة بتاريخ 25 جمادى الآخرة 1429هـ. ويمكن معرفة أهم مواقع الأحجار الكريمة في المملكة ضمن ثنايا كتاب (الرواسب المعدنية في المملكة العربية السعودية) للدكتور أحمد محمود الشنطي، وكذلك في كتاب (مقدمة في الجيولوجيا الاقتصادية) للدكتور طلال بن مصطفى قاضي. أما أهم مواقع الأحجار الكريمة في العالم فيمكن الاطلاع عليها في كتاب (الجواهر والأحجار الكريمة) لياروسلاف بور وفلاديمير بوسكا وترجمة المهندس ميشيل خوري.