خلق الله النفس البشرية والروح الإنسانية تميل بطبعها وفطرتها إلى الترويح والترفيه؛ فتشتاق النفس إلى ما يبهجها ويسرها ويدخل السرور عليها, وتمل الجد والنصب والكد والتعب؛ ولهذا راعى الإسلام هذا الجانب من النفس البشرية؛ فكانت شريعة الإسلام كاملة في تشريعاتها منظمة في شعائرها.
والنفس البشرية تحتاج إلى ضبط وانضباط وتذكير واعتبار. روى الإمام مسلم عن حنظلة الأسيدي قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: فقلت نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالجنة حتى كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك وتذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات؛ فنسينا كثيراً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده إنكم لو تدومون على ما تكونون عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
ليس المراد أن يطيع ساعة ويعصي أخرى - كما يفهم البعض - أو ساعة لربك وساعة لقلبك، ولكن ساعة يلهو بلهو مباح كما في الحديث.
ولقد حدد الإسلام أموراً من المباح تكون من لهو المسلم؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: (كل ما يلهو به الرجل المسلم فهو باطل إلا رميه بقوسه أو تأديبه فرسه أو ملاعبته أهله فإنهن من الحق). رواه الترمذي. وفي هذا الحديث دليل على أن كل لهو يلهو به ابن آدم باطل ممنوع، ما عدا هذه الثلاثة التي استثناها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنها من الحق، أو وسيلة إليه. قال الخطابي: قوله: (ليس من اللهو إلا ثلاث)؛ يريد: ليس من اللهو المباح إلا ثلاث، وفي هذا بيان أن جميع أنواع اللهو محظورة. وقال الشوكاني: (إنما صدق عليه اسم اللهو؛ لأنه داخل في حيز البطلان؛ إلا تلك الثلاثة الأمور). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في هذا الحديث: (كل لهو يلهو به الرجل؛ فهو باطل) وقال أيضاً ما معناه (الباطل ضد الحق؛ فكل ما لم يكن حقا أو وسيلة إليه، ولم يكن نافعاً؛ فإنه باطل، مشغل للوقت، مفوت على الإنسان ما ينفعه في دينه ودنياه، فيستحيل على الشرع إباحة مثل هذا)؛ فالترفيه في الإسلام يكون بالمباحات وما فيه نصرة للإسلام والمسلمين كالرماية والسباحة وركوب الخيل وتعلم والصناعة والتجارة.
أما ما ابتلي به المسلمون اليوم بكثرة المسليات والمزجيات للأوقات نظراً لكثرة النعم وانتشار الترف, فقد كانت سبباً بأن يكون الفراغ قاتلاً، فبحث الناس عما يسدون فيه هذا الفراغ من الألعاب المسلية والتصرفات المضيعة للأوقات.. فوقع كثير من المسلمين في الحرام. وصار الدافع إلى ذلك الهوى واتباع الشهوة. انظر إلى المحال التجارية والأسواق تجدها مليئة بأحدث أنواع الترفيه، وانظر إلى الاستراحات وأماكن خروج الناس تجدها مليئة بذلك.
إن هناك فئة من الناس ظنوا أن ما تشتهيه نفوسهم من اللهو؛ فهو مباح، ولو كان فيه معصية لله، ولقد ضلوا وما كانوا مهتدين، ولذلك تقلبوا في المعاصي وألفوها من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
فإن نظرت إلى بعض مناسبات الأفراح كمناسبات الزواج مثلاً؛ وجدت فيها من اللهو المحرم ما الله به عليم؛ من رفع أصوات النساء بالغناء المحرم، وغير ذلك من المحرمات، والإسراف المبالغ فيه في إعداد الولائم والتصوير والاختلاط بين الجنسين. وكذلك بعض الأسر تقضي أوقات فراغها الكثيرة أمام آلات اللهو المحرم بحجة الترفيه، فيسمعون الأغاني المحرمة، ويبقون حتى ساعة متأخرة من الليل، فيستخدمون نعمة السمع والبصر والمال فيما حرم الله، وينشئون الصغار على ذلك، وكل هذا باسم الترفيه وقضاء وقت الفراغ.
إن الإسلام لا يحرم الترفيه لكن الإسلام يضع للترفيه ضوابط شرعية، منها:
1- أن لا يكون المستعمل في الترفيه محرماً كأدوات اللهو والتصوير أو أن يكون من الميسر والقمار.
2- أن لا يشتمل الترفيه على محرم كالاختلاط أو النظر المحرم وألا يكون في مكان يعصى الله فيه.
3- أن لا يصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
4- أن تسلم أماكن الترفيه من المحرمات.
5- أن يكون الترفيه مع الأخيار والصالحين وليس مع الفجار الضالين.
6- أن يحتوي الترفيه على ما يذكر بالله والدار الآخرة.
7- أن يكون مفيداً للإنسان في دينه ودنياه، وله هدف ينمي الفكر ويقوي الجسم.
فالأمة بحاجة إلى الاستفادة من طاقاتها المهدرة وأوقاتها الضائعة فلماذا لا يكون الترفيه طريقاً للبناء.. لبناء الآخرة والدنيا؛ فيتعلم الشباب السباحة واكتساب المهارات وتصقل مواهبهم وتتعلم الشابات الطبخ وتدبير المنزل والخياطة.
إننا نعيش حياة الضياع والفوضى في حياتنا اليومية فهل نبحث عن أسباب الضياع؟ إن من الناس من يبحث عن وسائل للترفيه وهو لم يعرف الجد يوماً واحداً بل ساعة واحدة.
ولا بد أن يكون المرفه عن نفسه ملتزماً بحدود الله تعالى فلا يقع في الحرام ويجب عليه أن يحفظ نفسه ونساءه. يحفظ النساء من التبرج والسفور, ويحفظ نزهته ورحلته من المحرم، ويحافظ على طاعة الله ويتفكر في مخلوقات الله. ولا تدخل السرور على نفسك بمعصية الله؛ فشهوة ساعة تورث حزناً طويلاً.
ومن الناس من يريد الترفيه عن نفسه فقط ولا يراعي مشاعر إخوانه المسلمين ولا يراعي حدود الله. فليتق الله مثل هؤلاء؟
ومن الناس من يخرج من بيته ليكون لصاً على أعراض المسلمين ومن النساء من تخرج لتفتش وتفتن فلنأخذ على أيدي هؤلاء.
وأخيراً إننا نبحث عن الترفيه عن أنفسنا وإبعاد السآمة عنها والأمة الإسلامية تقاسي من محنتها ما تقاسي، والعالم من حولنا يموج بالجوع، والخوف، والنقص، والتشريد، وانتهاك الأعراض، والحروب المدمرة التي رملت النساء ويتمت الأطفال وتركت ضحاياها بين قتل وجريح ومنقطع الأطراف ومعدوم الحواس.
أين نحن من إخوان لنا استبدلوا بعد العزة ذلاً وبعد الرخاء والهناء فاقة وفقراً؟ كم يتيم ينشد عطف الأبوة الحانية ويلتمس حنان الأم الرءوم، يرنو إلى من يمسح برأسه ويخفف بؤسه! كم أرملة توالت عليها المحن، فقدت زوجها فبقيت وحدها؛ فأسعفهم بكلمة طيبة وابتسامة حانية ولفتة طاهرة ودعوة صادقة وعش معهم آلامهم وآمالهم. وتذكر نعمة الله عليك وقيدها بالطاعة لمولاك.