كنا قد حذّرنا فيما سبق، من أنّ الاحتدام والاقتتال الفلسطيني في غزة، قد يقود إلى إعلان القطاع منطقة منكوبة، تعطي إسرائيل الضوء الأخضر فيها لتعيد سيطرتها عليها من جديد، بعلل ضبط الأمن وتأمين الاستقرار ومنع انتشار الفوضى إلى المناطق الأخرى, وهي العلل التي ستجد إسرائيل لها آذاناً صاغية وأيادي ممدودة بالدعم، لتنفيذ أجنداتها الاستراتيجية والسياسية، خصوصاً في ظل ما يخيّم على مشاريع السلام من ركود، بل وجمود تام.
فالوضع الإسرائيلي الراهن وفضائح الفساد التي تحيط برئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت، وتكالب القيادات الإسرائيلية الحاكمة على اقتسام كعكة قيادة حزب كاديما، تجعل لعاب الإسرائيليين يسيل إلى أيّ تحرُّك عسكري تواكبة إثارة للميديا الإسرائيلية، من أجل ضخِّ جرعات متتالية من التخدير في الرأي العام الإسرائيلي، والإشاحة بنظره عن الوضع الداخلي.
الفلسطينيون - وللأسف الشديد - ومن خلال صراعهم المحتدم بين فتح وحماس، يقدِّمون الأوراق على طبق من ذهب لصانع القرار الإسرائيلي، وكأنّهم لا يعلمون أنّ صراعهم الحركي والحزبي، ليس بمعزل عن صراعهم الأهم مع الاحتلال، الذي ساهم في إطالة أمده انتشار ثقافة الطائفة السياسية، والحزب الأم، وتخوين الآخرين، والتعامل معهم بقناعات الإقصاء والتهميش، بل والركوب في قطار المقاومة واحتكارها، من أجل احتكار الوطن واختطاف مشروعه الوطني والنضالي.
يتوجَّب على كلِّ ألوان الطَّيف الفلسطيني، وفي مقدِّمتها حركة حماس التي تسيطر على الأوضاع في غزة، إعادة النظر في كثير من التصرُّفات والتحرُّكات على أرض الواقع، التي لم يجنِ منها الفلسطينيون حتى بعد أن حققوا هدنتهم مع إسرائيل، إلاّ مزيداً من الفرقة والتشرذم, فبدلاً من أن تأتي الهدنة مع الاحتلال لأجل تكريس الوحدة الوطنية وتوحيد قوّة النضال، سواء كان السياسي منه أو المسلّح، تحوَّل الأمر إلى تفرُّغ الإخوة إلى بعضهم البعض لتصفية الحسابات، وتنفيذ الاعتقالات بالعشرات، وقرع السيف بالسيف، وتبادل التهديدات بالردِّ القاسي، وكأنّ غزة قد أصبحت عبارة عن إقطاعيات وعزب جرى تقاسمها بين كتل السلاح والأيديولوجيا المنتشرة على جسد الواقع الفلسطيني المرير.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244