لم يكن معالي الأستاذ محمود طيبة -يرحمه الله- رجلا عاديا، بل كان نموذجا في حياته وسجيته ومسلكه وعطائه، كان إنساناً متميزاً في كل شيء؛ في دينه وخلقه وسمته وعمله، ولست أحاول بكلماتي القليلة والمتواضعة هذه أن أضيف شيئا لمناقبه وخصاله وصفاته، فقد سبقني الكثير من رفاق دربه ومعارفه ومحبيه تحدثوا حزنا لرحيله وأسفا لفراقه، بل تحدث أناس هو الأقرب إلى قلوبهم والألصق بوجدانهم فأنى لي إذن أن آتي بشيء أضيفه وأذكر به أو أعرف عنه لهذا الرجل الإنسان.
معرفتي بالمرحوم الشيخ محمود طيبة تعود إلى سكنانا في نفس الجوار في حي عليشة، وكان ذلك في منتصف التسعينيات الهجرية، وكان بيتانا متقابلين؛ فيقدر لي أحيانا أن أراه إما داخلا إلى بيته أو خارجاً منه، كان يبادر بالسلام أو يرد عليه بأحسن منه ووجهه مطرق إلى الأرض لا يلتفت إلا إذا كان ثمة ضرورة لذلك، وإذا كان الأمر كذلك فلا بأس أن اختار صفة واحدة (واحدة فقط) من صفاته الكثيرة والنادرة في عالمنا الحاضر وهي التواضع الجم، فأنا أذكر أنني بحكم الجوار وما بيننا من علاقة عمل بحكم التخصص أيضا قمت بزيارة له ذات يوم ليستقبلني بحفاوة وبشاشة ثم يأخذني إلى مجلس الضيوف، وحينما استقر بي المقام استأذن ليغيب بعض الوقت ثم يعود حاملا بنفسه (دلة القهوة) فأصابني شيء من الحرج إذ كنت أحسب أن لديه خادما أو قهوجيا يريحه من عناء هذا العمل، ولما بدأ يصب لي بنفسه القهوة مددت يدي لأتولى صب القهوة تقديرا له واعتبارا لفارق السن بيننا، وعندما عرف بنيتي هذه تمتم مبتسما بعبارات يخالجها شيء من العتب الرقيق الرفيق قائلا: كيف تكون ضيفي وفي بيتي وأدعك تتولى أنت بنفسك هذا العمل الذي هو واجبي تجاه ضيفي.
لقد ذكرت أن علاقتي بهذا الرجل الفذ لم تكن علاقة جوار فحسب، بل توطدت بعلاقة عمل بحكم تخصصي في الهندسة الكهربائية إبان توليه مهام المؤسسة العامة للكهرباء، ولهذا كان لي مع معاليه -يرحمه الله- مواقف ومناسبات عرفت من خلالها هذا الرجل عن كثب ولمست فيه الاخلاص والتقى والتفاني والعفة والنزاهة والإصلاح وحب الخير للجميع.
رحمك الله يا أبا هاني رحمة واسعة، لقد تركت هذه الدنيا الفانية ولكنك تركت مثلاً محموداً سيكون نبراساً للسائرين ومناراً للمهتدين، رحمك الله وغفر لك وأباحك وأحسن مثواك وبوَّأك مقعد صدق عند مليك مقتدر.
- جامعة الملك سعود