Al Jazirah NewsPaper Monday  28/07/2008 G Issue 13087
الأثنين 25 رجب 1429   العدد  13087
نهارات أخرى
يا للسذاجة
فاطمة العتيبي

في زمن رومانسيتي الساذجة كنت أكفكف دموعي التي تعبث بكحلي السائل الذي أحرص على رسمه قبل ذهابي لكليتي وكنت أقول لنفسي وعلى (طريقة) المسلسلات باللغة العربية، تباً لهؤلاء العمال إنهم يبكونني كل صباح!

* كنت أبكي وأنا أرقب هؤلاء يكنسون الشوارع في البرد القارس، وكنت ولسذاجتي أشعر أن هذا أشد ما يمكن أن أشاهده في حياتي وأنه لا يوجد قسوة في الدنيا أشد من أن ترى عاملاً (يكنس) في صبيحة نجد القارسة.

* مرت الأيام ورأيت عمالاً يبنون (فيللا) مجاورة لمنزلي تحت درجة حرارة تصل إلى 48 درجة وفق ما تقوله (سيارتي) لا ما تقوله نشرات الأحوال الجوية!

* إذا كان العامل المسكين يتقي البرد بلحاف وبقايا ملابس يجمعها من حاويات الملابس التي تنتشر أمام مساجدنا وتشوه شوارعنا وأخيراً تم اختفاؤها غيرمندوم عليها فإن العامل الذي يعمل في ظهيرة صحراوية قاتلة تشوي الطير كما يقول أهلنا القدامى.. ماذا بوسعه أن يفعل كي يتقي الشمس التي تصهره وتعرضه لسرطانات جلدية محتملة، هذا عدا الهبوط المفاجئ للدورة الدموية وضربات الشمس القاتلة.

* بحثت عن دموعي فلم أجد مرت بجانبهم ومكيف سيارتي يتناولني من اليمين واليسير والأمام لا أبالي حيث لا يبالون بأنفسهم ولا يطالبون بحقوقهم.

* عبرتهم، لم تتورم في حلقي عبرة، ولم أشعر برغبة في البكاء.. بإمكانهم أن يغيروا واقعهم، ثمة أبواب لهم أن يطرقوها كي تنصفهم من الظلمة!.

* كنت هذا الصباح قد رفعت أطراف عباءتي وجزءاً من أسفل تنورتي وأنا أعبر بحذائي العالي.

شابات سعوديات يرتدين ملابس جيدة يمسكن بالمكانس وخراطيم المياه ويزلن عن الأرض غبارها العالق.

الواحدة منهن أنهت دراستها الثانوية ودورة في الحاسب لا تقل عن ستة أشهر، لم يجدن مقعداً في الجامعة، ولم يجدن فرصة عمل لائقة.. أعبرهن وأنا فخورة بهن.. لا ألوي على دمع أو بكاء.. فخورة بقدرتهن على مقاومة كل العوامل القاتلة والمجدبة لأحلامهن.. هن قويات بإصرارهن وصمودهن، بعضهن مطلقات قبلن الإمساك (عكبنسة) وتنظيف الأرض من تحت أقدام النساء الموظفات ولا أن تراق كرامتهن بعقال رجل مدمن، ظالم يثير الفزع في قلوبهن وقلوب أطفالهن.

* هؤلاء الفتيات يستحققن جهات تتبنى احتياجهن و تجد لهن أعمالاً لائقة عبر خريطة العمل الميداني النسائي.. في القطاع الخاص عبر التدريب والتأهيل لسوق العمل.

* الزمن لا يتركنا أبداً ننعم بسذاجتنا ودموعنا الحالمة.

* إنه يعلمنا فنصبح أقوى، أكثر وعياً بقيمة العمل و الكفاح ومواجهة أساليب القمع المتنوعة!

* يجعلنا نحترم ونقدر ونفخر بدلاً من الشفقة الساذجة!



fatemh2007@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5105 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد