هكذا يكون الطرح الجاد القوي للقضايا المهمة، وهكذا يكون الوضوح الذي يبيّن الحق، وينبِّه الغافل، ويحذِّر اللاهي، ويحرِّك همَّة الخامل.
في خطبته المباركة من المسجد الحرام تحدث الشيخ صالح بن حميد - وفقه الله - عن مكانة اللغة العربية، وقيمتها الدينية، ودورها الكبير في المحافظة على كيان الأمة الإسلامية، وتاريخها، وحضارتها، وقيمها ومكانتها بين الأمم، وقد أشار معاليه إلى خطورة تعجيم التعليم، محذِّراً من اعتماد اللغة الأجنبية لغة رئيسة في تعليم أبنائنا، موضحاً خطورة إبعاد الأجيال المسلمة عن لغتها الأم، وإشغالها بلغات أجنبية تبعد الإنسان عن فكره وثقافته، وتضعف علاقته بلغته العربية الكريمة، وهو إضعاف للعلاقة بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.
ومن أجمل ما أشار إليه شيخنا الفاضل أنَّ اللغة ليست أداة تستخدم لطرح الأفكار والتعبير عن المواقف فحسب، ولكن اللغة هي الوعاء الذي يتكون فيه الفكر وهي نشاط عقلي يمتزج بالمهارات المكتسبة، والحركات والمواقف النفسية والوجدانية ليصبح الإنسان صاحب هوية صادقة معبِّراً عن ذاته وعن موقعه في الحياة. نعم، إن لهذه القضية من الأهميَّة الكبرى ما يجعلها جديرة بأن تطرح في أكثر من موقع، وأن يضطلع الخطباء والدعاة والمصلحون والأدباء والمفكرون بعبء هذه القضية دعماً وتأييداً لكل من يُعنى بلغة القرآن، ويدعو إلى الاهتمام بها وعدم إهمالها.
لقد أكد الشيخ صالح بن حميد في خطبته مسألة مهمة تغيب عن أذهان المسؤولين عن التربية والتعليم الذين يتحمَّسون لتعليم أولادنا اللغة الإنجليزية في المراحل الأولى في التعليم، ألا وهي: أنَّ التفكير واللسان مترابطان، فاللغة هي مخزون الأمة تنقله من جيل إلى جيل، وهي مفتاح عبقرية الأمة والوطن؛ ولذلك يظهر على البلاد التي تُبتلى باللغات المتعددة المنافسة للغتها الأم أنها تعرِّض مكانتها للاهتزاز، وتجعلها تعيش ضغطاً نفسياً لا يكاد يطاق.
وأكد الشيخ أن التعليم باللغات الأجنبية يعدُّ خسارة وفشلاً كبيرين، وأن انتقاص الفرد للغته دليل على شخصية مهزوزة مهزومة مهما كان مستواها التعليمي.
إنَّ تعجيم التعليم يشكِّل خطورة كبيرة على الأمة والمجتمع، ويوحي بخروج الإنسان المسلم من عباءة أصالته ومكانته ليكون مكشوف النفس والعقل أمام أعاصير الأفكار.
إشارة:
أنت اللغة، واللغة أنت، فمن أنت أيها العربي بغير الله؟