Al Jazirah NewsPaper Monday  28/07/2008 G Issue 13087
الأثنين 25 رجب 1429   العدد  13087
بين قولين
أنت طازج
عبدالحفيظ الشمري

أمر عبارة (منتجاتنا طازجة) بات مشاعاً، واستفحل في أنماط ترويجية كثيرة، فكل شيء حولنا استحال إلى موشح: طازج في طازج، فلم يعد للجميع أن يميز بين ما هو حقيقي ودعي من أخبار غذائنا الذي تداخلت فيه الكثير من القيم والمسببات والمكونات الأخرى، فحتى ما لم يكون طازجا من قوتنا يمكن له أن يُطزّج، بمعنى أن تضاف حوله عبارات مخادعة وبهرجات براقة، ليتم من خلال هذا العبث اللفظي، والصورة المخاتلة إيهام الآخرين بأن ما قد نأكله أو نشربه طازجا وهو في الأساس لا علاقة له بالطازج أو الجدة والحيوية.

مصطلح (التتطزيج) بات مواربا كبابٍ يلجه اللاهثون خلف كل هو موسوم بهذه الذرائع الجديدة التي لا تتقيد بمواصفة ما، ففي ظل هذه الهجمة اختلطت الأمور بعضها ببعض، وبات الجميع في مهب مسغبة السؤال عن مآل هذا الطازج ومصير ما هو غير ذلك.

بات المستهلك المغلوب على أمره على شفير هاوية التصديق بأمر هذا الدجل والادعاء فلا يخلو حليب أو لبن أو عسل أو خضار أو فاكهة من هذا الادعاء، فلا نجد من يقول: إن هذه الخضار أو تلك غير طازجة، حتى أنها ولشدة هذا التضليل والعبث واستمالة المستهلك تجد حتى المنظفات تقدم للمتسوق مشفوعة بصور خضار، أو فاكهة طازجة، أو صبَّار أخضر عفي، فيكاد أحد المستهلكين أن يلتهم أي قطعة صابون (طازجة) لشدة ما يغرر به ويوهم بأمر هذه الأشياء الطازجة.

حتى إطارات السيارات لا سيما في فصل الصيف يفضل أن تكون طازجة، وتاريخها الذي يحسب بالأسابيع من الضروري أن يكون حديثا، والطرفة الأشد حضورا هي أن أهل المعسل ينوهون أن لديهم خلطات طرية وفحما طازجا.

ومن صخب المادة إلى المعاني واللواعج، فحتى الحزن على ألسنة الشعراء بات يصاغ على أنه ساخن وطازج، وقد يكون خارج للتو من فرن الفؤاد المكلوم، الحزن طازج، الهم طري وموجع، حتى حبر أسعار الغذاء الطازج بات طازجا وجديدا، فالخوف أن تتحول الأمور إلى ما لا نهاية في دهاليز الطازج و(الفرش) وما إلى تلك المصطلحات التي تستميل المتسوق، وتستدرجه نحو هذه العروض غير الأمينة.

الأمر المحير أن الطازج بات ذريعة للكسب والتمصلح، فإن لم يكن هناك طازج، سعى البعض إلى التحايل على الجميع، من خلال الادعاء، والإعلان وبث الأشكال الخادعة، بل إن هناك وعلى وجه التحديد من يتفنن في التلاعب والعبث بكل شيء من أجل اصطياد الزبون، وتحقيق الربح الذي يصب في النهاية في جيب الجشع الكبير، أبو المصائب كلها.

المؤذي في هذه الحال أن الجشع المراوغ وسيده يدركون خطورة اللعبة، فلا يتناولون مثل هذه الأصناف من الغذاء الذي يدعون أنه طازج، فهو إما أن يكون بتاريخ إنتاج مزور، أو بمعلومات وهمية فلهؤلاء طرقهم ووسائلهم في جلب الطازج الحقيقي الذي قد لا يصل إليه أحد إلا بصعوبة، فيما تطحن أضراسك دون كلل كل ما يزرع، ويخلط، ويعجن، ويخبز، ويشوى ويلقى لك، بل وينتج لك - دون علمك - أصنافاً غذائية كثيرة دون معايير واضحة.. أي أن الأمر متروك للضمير الذي قد يغفو كثيراً في ظل



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد