الشبة بهذا الاسم إرث ثقافي اجتماعي حائلي في أصله وفصله وحسبه ونسبه - حسب علمي - ورثها الجيل المعاصر عن الآباء ومن قبلهم الأجداد, ولذا فهي تصنف عند أهل الاختصاص على أنها ثقافة فرعية خاصة بأهالي حائل، وإن كان البعض من أبناء المنطقة نقلها معه إلى مناطق عديدة بل ربما إلى بلاد مختلفة عنا ثقافياً وأخلاقياً واجتماعياً، والشبة غالباً ما تكون ليلاً، وقد تكون بعد العصر، وربما سمعت عن شبة الضحى وهي في العرف العام لنساء الحي اللاتي لا يعملن، وقد تكون أسبوعية وربما شهرية أو حتى سنوية، وإن كانت في الأساس كل مساء.. ولأن الأصل فيها أن الجميع يجتمعون حول شبة النار ويحتسون القهوة والشاي ويتبادلون أطراف الحديث المختلفة ويأخذون راحتهم المطلقة وينثرون همومهم المختلفة وترفع التكلفة بين بعضهم البعض ويرفعون ويخفضون بلا قيد لذا أطلق عليها هذا الاسم، هذا هو الأصل - فيما يعرف بالشبة - ثم صارت بعد ذلك عنواناً لكل اجتماع دوري وإن كان في وسط النهار ولا نار.. وقد مرت (الشبة) في إطارها العام بمراحل مختلفة ولها أشكال متعددة.. إذ كانت فيما مضى في البيوت ثم صار لغالبية الشبات بيوت شعر وخيام في أطراف حائل المدينة، وبعد أن صدر قرار المنع لهذه الأماكن من مقام إمارة المنطقة قبل ما يقارب أحد عشر عاماً استأجرت الشبات وربما امتلكت استراحات ومنتزهات في عدد من الأحياء الجديدة، وهناك من اتخذ من بيوت الطين القديمة مقراً له.. ولو سبرت المجتمع الحائلي فلن تجد شاباً لا شبة له إلا ما ندر!!، بل إن هناك من صغار السن الذين يدرسون في المرحلة المتوسطة وربما قبل ذلك لهم شباتهم التي يرتبطون بها بشكل دائم وعن موافقة وربما مباركة من والديهم بقناعة أو تمشياً مع ما هو سائد من ثقافة مناطقية معروفة، وهناك من له أكثر من شبة، وقد يذهب الواحد منا إلى شبتين أو ثلاث في الليلية الواحدة، ولذا قد تسمع عن (شبة المدرسين، وشبة السوق (الحي)، وشبة الشيبان، وشبة العائلة، والشبة الأساسية التي يعتبر الشاب نفسه عضواً مؤسساً لها ومؤثراً فيها، يذهب حين المساء أينما شاء وحسب ارتباطه اليومي ثم يثوب إلى شبته الأساس حتى ساعة متأخرة من الليل وفي مثل هذه الليالي قد يبقى حتى الفجر!!، وإذا كان شخص طريف وظريف ومحبوب يمكن أن يكون بمثابة اللاعب الحر يمر على عدد من الاستراحات في الليلة الواحدة، وقد تنهال عليه الاتصالات في مثل هذه الليالي الصيفية الكل يدعوه للعشاء والسهرة.. وتختلف أسس اختيار أعضاء الشبة ولكن غالباً ما تلعب الصدفة الدور الأساس في ذلك وربما تكون القرابة أو الزمالة في العمل أو الدراسة أو التجارة هي المنطلق لبناء هذا التجمع أو ذاك، وقد تكون التوجهات الفكرية أو.. فعلى صوت جمال عبد الناصر ولدت شبات مازال البعض منها قائما وربما تجاوز عمرها أربعين عاما، وبسبب القراءات اليسارية أو التوجهات الإسلامية المختلفة تأسست شبات الكثير منها اندثر وعدد منها مازال موجودا، ومع أن لهذه الشبات مميزات وفوائد عديدة إلا أنها غالباً قد تأسر صاحبها وتؤثر عليه سلبا وتحد من ثقافته العامة وتجعله يدور في هذا المحيط الضيق جداً وهي في ذات الوقت الذي تقوي فيه الروابط الاجتماعية بين أفراد هذه الشبة تؤثر على الشخص المنتمي لها في علاقاتها الاجتماعية خارج المجموعة إضافة إلى محدودية التفكير واكتساب العادات السيئة والتنصل عن المسئولية الاجتماعية العامة وتقوية جانب النقد المطلق لديه فهي بيئة خصبة لنقل الكلام وسبك الشائعات والنقد المجتمعي الحر وقد يضحي الفرد منا بمستقبله العلمي والوظيفي ويرضى بما هو فيه من حال حتى لا يترك الشبة، ولن يعجز في البحث عن الحجج الواهية لإقناع نفسه قبل غيره في عدم تركه للمنطقة دون أن يتطرق من قريب أو بعيد لهذا التجمع الليلي الذي يرتبط به نفسياً بشكل عجيب، وهذا ليس بدعا في القول بل عليه شواهد ودلائل معروفة ومعاشه ويعلمه الكثير من أبناء حائل، وأعرف البعض ممن يرتبطون بشباتهم أكثر من عوائلهم مع أنهم أرباب أسر وأصحاب بيوت، وهناك من يسكن الرياض أو الشرقية أو الغربية أو... ويتابع أخبار حائل من خلال الشبة يوماً بيوم فهي مصدر موثق لديه يمده بكل خبر جديد يحدث في حائل، ومتى وصل إلى هذه المدينة الحالمة الرائعة بحق توجه فوراً إلى الاستراحة قبل أن يذهب إلى أهله ويسلم على ذويه، وقد يبقى الواحد منا لوحده متكئ على أريكته عشقاً وشوقاً إلى هذا المكان الذي يشعر فيه بالراحة المطلقة والأنس الكامل ولو كان بلا جليس سوى التلفاز، والعامل - الذي صاغته المجموعة المنسجمة مع بعضها البعض حسب ما تريد - يقوم على خدمته ويلبي طلباته، بقي أن أشير إلى أن ما عرضته في هذا المقال لا يعني التعميم فهناك من الشبات كانت سبباً بعد الله للتميز الأخلاقي والسلوكي والتفوق المعرفي والعلمي والاستقامة الفكرية والدينية ودخول سوق المال والأعمال واجتماع الأسرة وتحقيق الألفة بين أبنائها وتقوية أواصر المحبة بين الزملاء في العمل وربط الشاب بالمجتمع من حوله و.. وما عرضته في ثنايا هذا المقال مجرد عصف ذهني عاجل حول هذا الإرث الذي أعتز به شخصياً كما يعتز به كل حائلي في ظني ركزت فيه على المأخذ دون ذكر للإيجابيات الكثيرة، والموضوع برمته حري بالبحث المتخصص لدراسة دوافع الانتماء لهذه الشبات والانخراط فيها لدى شباب المنطقة بل حتى الكبار وكذا الصغار وأثرها عليهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا وسلوكيا، وكيف تمكن الاستفادة منها الاستفادة الكاملة فيما يعود على الفرد والمجتمع بالنفع والفائدة.