Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/07/2008 G Issue 13086
الأحد 24 رجب 1429   العدد  13086
(يوسف السلوم) الميت الحي
بدر بن أحمد كريِّم

عاش في الدنيا - كما هو حال كل الناس - كعابر سبيل، استظل تحت ظل شجرة، ثم راح وتركها.

ذلكم هو الصديق الدكتور يوسف بن إبراهيم السلوم، الذي اختاره الله إلى جواره يوم الخميس 21 رجب الحالي (24 يوليه) إثر مرض عضال عانى منه طويلاً، فكان صابراً محتسباً، طمعاً في رحمة الله، وكأني به يردد: (اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي، وأمتني ما دام الموت خيراً لي) ذلك أن الموت سنة كونية، وكل نفس ذائقته، وهو يأتي بعد الحياة من حيث الواقع، والترتيب العملي والتطبيقي والتنفيذي.

كانت أول معرفتي به، وتعاملي معه عن قرب، ومعرفة آرائه وتفكيره، ونظرته إلى معالجة القضايا والموضوعات الحياتية المهمة، عندما زاملته في الدورة الثالثة لمجلس الشورى، وفي اليوم الأول لحضوري حرص - رحمه الله - على أن يصحبني في جولة على مختلف مرافق المجلس، شارحاً وظيفة وأهداف كل مرفق، وفي الجلسات الأول سمعتُ له مداخلة تنم عن فهم واضح لما يناقش، وكان موضوعاً عسكرياً، هو أعرف به، وألصق به وأفهم، وقد استحوذت مداخلته على استحسان معظم الأعضاء (كنتُ واحداً منهم).

وفي إحدى الجلسات انتقدت بحدة أداء لجنة الشؤون العسكرية في المجلس، وكانت برئاسة اللواء المتقاعد (عبد القادر كمال) بسبب تباطؤها في دراسته أحد الأنظمة المعروضة عليها، وعند خروجي من القاعة أمسك بيدي، وأفهمني الظروف والملابسات التي أدت إلى التباطؤ، بوصفه عضواً في اللجنة، كما زودني بمعلومات كانت غائبة عني، وأخبرني أنه يضعها بين يدي متى أردت، مستفيداً من تجاربه، وعمله العسكري الذي أمضى فيه جزءاً كبيراً من حياته، ضابطاً، ومسؤولاً عسكرياً، قبل أن ينتقل إلى السلك الدبلوماسي سفيراً لبلاده في الخارج.

مرّ هذا الشريط من التذكرات، وأنا أرى جمعاً غفيراً من محبيه، وأصدقائه، والمتعاملين معه يؤدون صلاة الميت عليه، في جامع الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله، بعد صلاة العصر، في اليوم الذي لقي فيه وجه ربه، وخرجت داعياً الله له بالرحمة والمغفرة، وسائله أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة.

كان آخر لقاء معه، يوم وفاة أخيه (محمد) قبل شهرين تقريباً، بصحبة الأستاذ الدكتور أسعد بن سلمان عبده (العضو الحالي في مجلس الشورى) رأيت (يوسف) وقد نحل جسمه، وعلى أنفه كمامة أوكسجين، ولكنه كان على وعي كامل، متذكراً أحداثاً ومواقف موغلة في القِدَم، ولم يكن منزعجاً مما هو عليه، وهذا هو حال المؤمن إن أصابته ضراء صبر، وإن أصابته سراء شكر.

مات (يوسف السلوم) وترك ما ترك، وبقي ما بقي، فاللهم ارحمه، وادخله مدخل صدق مع عبادك الصالحين، ولكل الناس في الموت عظة وعبرة، فكل صغير وكبير يموت، وكل أمير ووزير يموت، وكل عزيز وحقير يموت، وكل غني وفقير يموت، وكل صحيح وسقيم ومريض وسليم يموت، وباختصار كل نفس تموت.

عزاء لأسرة (يوسف السلوم) ولأصدقائه، ولمحبيه، والعارفين به، والمزاملين معه في دروب الحياة و(ما أكثر رجلٌ ذِكْر الموت إلا زاد ذلك في عمله) كما روي عن رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد