كنت أعبر في الممر الطويل المؤدي لحجرتها...
حين كانت عربات الطعام تزاحمنا الممر...
أسقط في يدي لعلني جئت لزيارتها في وقت غير مناسب...
لكنها سرعان ما أشارت لحاملة الطعام بعدم رغبتها في تناوله...
الأخرى تسألها (والمرافقة ؟) تعنيني بقولها... ذهبت بالوجبتين حين عرفت بأنني زائرة...
صديقتي تنهدت وهي تتوجع...
بادرتها بصفاتها فكثيراً ما كانت تدعمنا بالدعاء حتى ونحن في معمعة العمل ورهق التنقل من مبنى لآخر...
فقررت يومها ألا أغادر ساحات الجامعة إلا وقد زودتها بعربات متنقلة ترحم العاملات على الأقل من زمهرير شتاء أو قيظ صيف... لكن التباطؤ في الأمور جعلها تنتشر في الساحات وتسوقها العاملات بعد الوقت بوقت بينما أثمانها كانت قد أدرجت للصرف...
ضحكت صديقتي وهي تقول: يأخذ المقبل بنتائج المدبر...
مسحت على كتفها وانتقلت بجملتي: (المهم الإنجاز وإن سجل لغيرك) لسؤالها عن صحتها...
أكدت لي أن طاقم الأطباء يعملون بجدية لكن وفق جداولهم لا خروج عن الزمن... والمرض كما تعلمين قالت: ليس لجروحه ووخزاته موعد... أما طاقم التمريض ففي الليل الصامت أستأنس بأحاديثهن تسقط بلغتهن على مسمعي فتذوب وحشة الممرات... لكنها أشارت بألم نحو عربة الطعام قالت: المؤلم أن هذه الكميات من الطعام مأواها النفايات... فغالباً ما يرفضها المرضى فهي غير مشهية ربما لاستقرار الشعور بالمرض وهو وحده قادر على سد الشهية...
ثم همست لي: تخيلي تلك الأفواه الجائعة في بيوت متهالكة يتكدس فيها الصغار يتضورون من الجوع...
ليتهم يتفقون مع الجمعيات الخيرية فتكون عوائد المطابخ في المستشفيات لها...
أيدتها وكنت أتأمل في وجهها الشاحب ألماً... ويدي على موطن وجعها أستجلب رحمة الله بشفائها دعاءً...
فيما أتأمل هذه الشفيفة كيف تفكر في الجياع... وداخلها يتضور ألماً...؟
* * *
عدت لرسائل قارئاتي العزيزات حيث تذكرت أن منهن من تشير للموضوع ذاته... لألتقطه هنا لمناسبة الفكرة؛ فالقارئة العزيزة بدرية الخطيب تقول: (لم أجد أفضل من يراعك ليكتب عن النعمة لا حرمنا الله إياها وأدام علينا نعمه ظاهرة وباطنة. أما النعمة التي أقصدها فتلك التي تبقى بعد تناول المرضى وجباتهم في المستشفيات أو التي لم يتناولها المريض مطلقاً, فترين الوجبة كما هي تلقى في الفضلات كاملة. ثم توضع فوقها نفايات الحمام (كرمك الله)، و لا يعلم المريض مقرها بعد ذلك. ألا يوجد وسائل لتصريفها غير هذا الذي نرى؟ كالأسر المحتاجة أو الفقراء والمساكين؟)...
* * *
ربما في هذه اللفتة ما يكشف عما لا نعلم، ربما تذهب هذه البقايا لمكانها المناسب...
وربما تجد في هذا المقترح ما يوجهها إليه...
* * *
دعائي للصديقة العزيزة ولبدرية الخطيب بالشفاء...
ولأفواه الجياع بما يروي عطشهم ويسد جوعتهم...