لا يوجد أدنى شك بأن سوقنا المالية غير كفء كحال الأسواق الناشئة عموما، وبالطبع لا تتساوى مستويات درجة الكفاءة بين تلك الأسواق، فجميع هيئات الأوراق المالية تسعى لرفعها من خلال التنظيم المتواصل وتوسيع قاعدة السوق والتركيز على الإفصاح والشفافية كأدوات أساسية لرفع مستوى الكفاءة، وتشترك كل الجهات الاقتصادية والشركات المساهمة مع الهيئات في مسؤولية رفع مستويات الكفاءة.
ويفتقر سوق المال السعودي إلى الكفاءة بسبب عدم التوازي بين ما تقوم به الهيئة من إصدار للأنظمة وإصلاحات تشمل كل الجوانب وبقية الجهات التي تشاركها المسؤولية، فالشركات المدرجة ابعد ما تكون عن الإفصاح وتقديم المعلومة التي تعتبر الكفاءة الحقيقية، لأنها ومن خلال تقديمها لجميع المساهمين بالوقت المناسب يتحقق الانعكاس السعري المعبر عن القيمة العادلة للورقة المالية ولا يترك مجالا لبث الشائعات التي قد تعكس سعرا مبالغا فيه سلبا أو إيجابيا. والشركات المساهمة لدينا ابعد ما تكون عن واقع تعاملات السوق ولا تكترث باتجاهات أسعار السهم إلا بعد أن يطلب منها ذلك ولا تقدم أي معلومات بوقتها المناسب، بل إن بعض ما تصدره من أخبار يصبح مبهما اكثر من عدم نشره ويحتاج إلى تحليل واسع؛ كونه يحتوي على بيانات غير مترابطة أما الجهات الرسمية الأخرى ذات العلاقة بالسوق فهي تمثل اليد الخفية بحسب ما قاله آدم سميث أبو الاقتصاد الحديث فلا نجد لها أي دور مؤثر يسمح بتحرك السوق بعقلانية، ففي الوقت الذي تلتهب فيه معدلات التضخم نجد أن مؤسسة النقد تقوم بمواكبة الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة، على الرغم من أن القرار الطبيعي هو العكس وكون الريال مرتبطا بالدولار فلا مناص من ذلك ولكن الحالة الاقتصادية الحالية تتطلب سياسات تكبح جماح التضخم وتساعد الشركات على تحقيق معدلات نمو تتناسب مع النشاط الاقتصادي، فعدم وضوح الرؤية لمستقبل الدولار والعلاقة معه يجعل المستثمرين في حالة قلق عند اتخاذ القرار الاستثماري، آخذين بعين الاعتبار مخاطر استمرارية هذه العلاقة وعدم وضوح الرؤية حول النقطة التي قد تشكل فصلا لتلك العلاقة؛ مما يجعله يقلص من استثماره بالسوق المالية إلى الحد الذي تسمح به عوامل المخاطرة المستقبلية لاسعار العملة ومدى تأثير استمرار التضخم على أداء الشركات، لانه يشكل أكبر عامل تحد لمستقبلها.
كما تسهم جهات أخرى معنية بتقديم الإحصائيات والأرقام حول واقع النشاط الاقتصادي بجزء مهم من رفع كفاءة السوق، فالمستثمر يجب أن يعرف ما يجري في العملية الاقتصادية كنسب الاستهلاك وثقة المستهلك والبطالة وحجم الاستثمارات المتدفقة واحتياجات البنى التحتية والكثير من الأنظمة التي تدرس منذ سنوات ولم تقر إلى الآن، فالبيروقراطية تؤثر في الحركة الاقتصادية وبالتالي سينعكس ذلك على السوق المالية كون الشركات والمؤسسات الداعمة لعمله تتأثر بتأخير إصدار الأنظمة. وتلعب السياسة المالية دوراً إضافياً برفع كفاءة السوق من خلال خططها المعتمدة لدعم قطاع الأعمال وتوجهات الإنفاق الحكومي ودور الصناديق والمؤسسات التي تتبع لها وتستثمر بالسوق فلا توجد رؤية واضحة لتفاصيل دور ما يتبع وزارة المالية من جهات تعتبر المستثمر الرئيسي بالسوق المالية وما الذي تستطيع أن تقدمه لخلق التوازن بحركته والحد من التذبذبات والتقلبات العالية فيه، كونه لا يوجد صناع مؤسساتيون حقيقيون موجودون حالياً، فكان الأولى بها ان تحرك مستثمريها الاستراتيجيين للقيام بهذا الدور المهم.
إن كفاءة الأسواق لا يمكن استيعاب متطلباتها في مقالة ومن المعروف أنها طريدة الهيئات المالية بكل أسواق العالم، فهي تبحث عن كل ما يدعم تحقيقها ولكن يبقى إدراك كل جهة مشاركة ببناء الأسواق دورها الكبير الذي يجب أن يتواكب مع تحركات هيئة السوق المالية لتحقيق كفاءة السوق التي بالمحصلة تحقق العدالة للمتداولين بتعاملاتهم، وتجعل خياراتهم الاستثمارية أكثر صوابا وتفتح الآفاق لاستقطاب الاستثمارات للسوق من أوسع أبوابها.