مرت خمسة أعوام قاسية على الشعب العراقي تعرض من خلالها للهجرة والتهجير من محافظات معينة ذات أكثرية طائفية والبعض الأكثر ترك في العراء يلتحفون السماء ويتوسدون الصخر دون غذاء أو دواء لانشغال الحكومة بكل أجهزتها بتحقيق الأمن الغائب عن المشهد العراقي فلا صولات الفرسان ولا زئير الأسد أخاف معكرو صفو الأمن من ترك الساحة كرجال الشرطة العراقية وبإسناد القوى الأمريكية العسكرية وترك المواطن العراقي يشرب الماء ممزوجاً بمخلفات الصوف الصحي ويقابل حرقة الشمس الملتهبة دون كهرباء والمستشفيات لازالت تضع كل كوادرها الطبية في معالجة جرحى وخزن جثث قتلى الفوضى الأمنية، كانوا في أول سني الاحتلال يتهمون الصداميين والبعثيين في كل خلل أمني في بغداد والمدن العراقية أما مسعى المجموعات الخاصة هي المتهمة عن كل قذيفة هاون أو زرع متفجرات بجانب الطرق الرئيسة واخترعوا تسمية (المجموعات الخاصة) لوصف نشاطات جيش المهدي المعادية للحكومة الحالية خشية من تأثير الشارع العراقي الذي يحترم المهدي وجيشه فكيف تصفي حكومة الائتلاف العراقي الموحد الممثلة للطائفة الشيعية لجيش الكتلة الصدرية لذا أطلقت عليها هذه التسمية كنظارة مانعة للصورة الحقيقة وهي تصفية جيش المهدي من كل المحافظات التي لأتباعه نفوذ كبير فيها وفي مجالسها البلدية أيضاً.
فقد المواطن العراقي ثقته بمجالس المحافظات الحالية لحرمانه طيلة خمسة أعوام من أبسط أنواع الخدمات العامة من صحة وتعليم وبرامج إعمار لمكونات البنية الأساسية لهذه المدن فالطرق تحولت لترابية والمدارس مهدمة دون أي مستلزمات دراسية والمستشفيات غير كافية لعدد المرضى المتزايد إثر استخدام أسلحة محرمة تحمل إشعاعات نووية ففي مدينة البصرة لوحدها سجلت أنواع مختلفة وكثيرة لحالات في سرطانات الجلد والرئة والغدد اللمفاوية وهي نتائج مباشرة لتعرض أجواء البصرة لهذه الإشعاعات الضارة على البيئة الصحية العامة وقد حذرت منظمة الصحة العالمية عن تأثير هذا الخطر الصحي القاتل وترك آلاف المصابين بهذه السرطانات دون علاج متطور ومعها ازدادت نسب الضحايا.
فالناخب العراقي يتطلع لمجالس بلدية مهنية تضم كفاءات فنية مختصة في كافة المجالات الخدمية العامة لتعويضه عن فترة الركود الإنمائي طيلة الخمس أعوام الماضية وانشغال المجالس السابقة في صراعات حزبية ضيقة واستغلال نفوذهم الوظيفي في عمليات مشبوهة في تهريب البترول الخام إلى دول الجوار وتحويل ميزانية المحافظات لجيوبهم الخاصة دون تنفيذ أي مشروع إنمائي يخدم المواطنين ويقضي على البطالة المتفشية في جميع أنحاء العراق حتى وصلت إلى نسبة 60% من سكان البلاد ويأملون بحياة آمنة بظل سلام اجتماعي فقد قدم الشعب العراقي أكثر من مليون قتيل تقاسمت أعداده بين قوات المحتل والإرهاب الدولي! مضافاً لهذا العدد أربعة ملايين مهاجر ومهجرة عن وطنه ومدينته وبيته وأهله آمال عديدة وقد تكون بعيدة المنال حالياً يتطلع لها المواطن العراقي.
فقد جرت انتخابات مجالس المحافظات الأولى عام 2004م وكانت أقرب للتعيين منها للانتخابات فأكثرية هذه المجالس في بغداد والوسط والجنوب مثلوا الائتلاف الشيعي الحاكم ولتفكك هذا الائتلاف نتيجة تصارع المصالح والمنافع الحزبية فخرجت الكتلة الصدرية من الحكومة أولاً وأخرجت من مجالس المحافظات بقوة صولات الفرسان وتم عزلهم عن الحياة السياسية في تلك المحافظات التي يمثلون فيها قوة انتخابية كبيرة، ويشعر المواطن في هذه المحافظات بعدم الثقة بأعضاء هذه المجالس لانشغالهم في مصالحهم الخاصة ولم يقدموا للأهالي أي خدمات أساسية في حياتهم العامة بل كانت هذه المجالس مسرحاً لصراعات وتصفيات حزبية للانفراد بالسلطة وميزانية هذه المحافظات والتي كانت تتجه نحو جيوبهم بسرعة قياسية!
تعدد الكتل والدكاكين الحزبية في المحافظات العراقية استعداداً لخوض الانتخابات البلدية في المحافظات التي لها الأهمية الكبيرة في تحديد الجغرافيا السياسية لهذه التيارات المتصارعة وقد تؤثر هذه الكتل الجديدة بتغيير بعض الأسماء أما السلطة المذهبية للأحزاب الدينية لا يمكن أبداً أن تترك الحكم بعد أن تلذذت بمظاهر السلطة وامتيازاتها وغرزت أعوانها ضمن أجهزة الدولة المهمة فكيف يتوقع بعض المحللين انتخابات نزيهة ومليشيات بد وحزب الدعوة تحولوا إلى الرقم الكبير في الأجهزة الأمنية والمشرفة على هذه الانتخابات وفي الشمال تسيطر قوات البشمركه التابعة للأحزاب الكردية المؤتلفة بقائمة الائتلاف الكردستاني والتي ستفوز بكل المقاعد في محافظات إقليم كردستان تحت مظلة قوات البشمركه.
ومن معوقات هذه الانتخابات المنتظرة قضية مصير محافظة كركوك التي يطالب بها الأكراد كعاصمة لإقليمهم في شمال العراق لغزارة المخزون النفطي في أراضيها ويعتبرها إقليم كردستان من (الأراضي المتنازع عليها) مع حكومة العراق المركزية ويضغطون لتحقيق المادة 140 من الدستور العراقي بإجراء الاستفتاء العام لضمها للإقليم بعد أن زحف للمدينة أكثر من 200 ألف كردي من المحافظات المجاورة واقترح حلا وسطا لتمرير هذه الانتخابات بإعطاء نسبة 32% لكل مكون بشري في المحافظة وهم الأكراد والعرب والتركمان والباقي 4% للأقليات المسيحية من الكلدان والأشور واليزيدية.
إن هناك بريق أمل بظهور نوع من التغيير في اتجاه هذه المجالس البلدية ابتعادها عن سيطرة المذهب والعرق واحترامها للمبادئ الوطنية والعمل على الوحدة الوطنية العراقية لانقسام هذه الأحزاب السياسية إلى مكونات وطنية تدعو إلى السلام الاجتماعية والعمل من أجل تنمية العراق وعودته إلى أمته العربية ونبذ الطائفية المقيتة يوم 1 نوفمبر القادم تاريخ مهم في الحياة السياسية العراقية والخشية أن يتأجل هذا التاريخ لشعور القوى المسيطرة على السلطة بأنها لم تعطِ وقتاً أوسعاً لإجراء التصفيات السياسية ليخلو لها جو الانتخابات المحلية التي تعول عليها بأمل البقاء في السلطة طويلاً أما حياة المواطن العراقي ومستقبلة مسألة فيها نظر!
(*)محلل إعلامي -عضو- هيئة الصحفيين السعوديين، جمعية الاقتصاد السعودية