Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/07/2008 G Issue 13086
الأحد 24 رجب 1429   العدد  13086
نصحنا.. فلم يستجب لنا
د. عبد الملك بن إبراهيم الجندل

عندما ينصح الوالد ابنه فليس هدفه إلقاء الكلام فقط بل يسعى إلى تطبيق ابنه ما نصحه به، وكذلك المعلم لطلابه، وكل مصلح أو قائد لمتبوعه.

وتلك النصيحة لها مقومات نظرية وسلوكية، فالنظرية هي (المرسل) وهو الناصح، و(المستقبل) وهو من توجه له النصيحة، و(الرسالة) وهي مضمون النصيحة، وأما المقومات السلوكية فهي ما يظهر على الناصح من عناصر التأثير، من أخلاق وسلوكيات ظاهرة للآخرين.

ومن هذا المنطلق سأورد بعضاً من القصص الواقعية (السلبية) التي تبين وجود عناصر النصح) من مرسل ومستقبل وبينهما رسالة، ولكنها لم تحقق هدفها، ولن تحققه بل توقفت عند آذان مستمعها لعدم وجود التأثير، وهو ما يطلق عليه ثبوت المقومات النظرية، وانتفاء السلوكية:

الأولى: والد عُرف عنه حث أبنائه باستمرار على الالتزام بالأخلاق الفاضلة قولا وعملا، هدم ذلك ونسي تطبيقه، عندما أصبح الأمر يتعلق بالمال، وذلك عندما كان ابنه الصغير يقود سيارته، واصطدم بسيارة أخرى، واعترف الابن أنه هو المخطئ، ولكن والده قام بعدة إجراءات تحايلية ملتوية، أضاعت الحق الظاهر للطرف الآخر المصدوم.

فكيف ستكون نظرة الولد لوالده بعد تلك الحادثة، وكيف هو تطبيقه المستقبلي لتربية الغش والخداع الحالية التي رباه والده عليها عملياً؟

الثانية: معلمة تشرح لطالباتها في مادة الفقه، وجوب ستر المرأة لوجهها عند غير محارمها، ثم يرينها الطالبات وقد كشفت وجهها خارج المدرسة، وتلك التي تعاتب وتعاقب من طالباتها من أطالت أظافرها، أو وضعت مكياجا، مع أنها خالفت أقوالها بأفعالها، فأطالت أظافرها، وكست وجهها بالمكياج، فالمعلمة هنا أوصلت المعلومة، وطبقت النظام، ولكن كيف ستستقر تلك الرسالة لدى الطالبة؟ (حبر على ورق)!!

الثالثة: شاب له مغامرات غرامية مع فتيات أخريات - وأخواته يعرفن ذلك - ومع ذلك فهو ينصح أخواته بالستر والحشمة، واتباع ذلك بالقوة والشدة والغلظة لمن لم يتقيد منهن بتلك التعليمات، ويضيف ناصحا: ان الشباب لهم عيون زائغة، يصطادون أي فتاة لا تلتزم بحجابها الشرعي.

أخواته هنا يلتزمن بالحجاب أمامه، ويستمعن لنصحه دون قناعة، إذ كيف يستسيغ لنفسه ارتكاب المحرم، ويمنع الأخريات منه، وهذا التطبيق بالحجاب مؤقت، يزول بزوال سبب ذلك التطبيق!!

الرابعة: في مجلس القضاء، وبعد عدة جلسات تم ملاحظة التأخر الدائم للقاضي فلا يحضر حسب الدوام الرسمي مما أدى إلى عدم دخول المتحاكمين في موعدهم، والتأخر في إنهاء قضاياهم، وتضجرهم الشديد لذلك السلوك الخاطئ.

حدث خلال إحدى الجلسات ان صدح جوال أحد الشباب بنغمات موسيقية مما جعل القاضي يتوقف، وتظهر عليه علامات عدم الرضا، ثم وجه النصيحة إلى ذلك الشاب، وتذكيره بأن الإنسان مؤاخذ على سمعه، ووجوب البعد عن تلك النغمات، ووجود نغمات بديلة.

وبعد الجلسة قال ذلك الشاب وهو مغضب: الشيخ ينصحني على نغمة جوال، خاصة بي إن كانت خطأ فلا كفارة لها إلا التوبة إلى الله سبحانه، لماذا لا ينصح نفسه، لماذا لا ينقذ نفسه لأنه يغذي نفسه بالحرام، ويغذي عائلته بالحرام، وسبب ذلك أنه يأخذ راتباً كاملاً، وهو لا يحضر إلا أقل من نصف الدوام في عمله!!

الخامسة: حينما يطالب المرور ويحث راكبي السيارات على ربط (حزام الأمان) وتعليل ذلك بأنه من أجل سلامتهم، ثم يُرى رجل المرور في سيارته دون أن يربط ذلك الحزام.

هذه رسالة تدل على أن الحزام ليس ضرورياً، إذ لو كان ذا ضرورة لطبقه من أمر بتطبيقه!!

السادسة: يحذر الطبيب من (التدخين)، وقد يكون عضواً في لجان مكافحة التدخين، وهو مع ذلك يمسك سيجارته ويدخن باستمتاع.

فمن يراه خصوصا من صغار السن سيتوصلون إلى نتيجة مفادها، أن التدخين ليس مضراً بالصحة إلى درجة كبيرة، فالتدخين مثل التحذيرات المستمرة من الوجبات السريعة، أو المشروبات الغازية والممنوعة في المدارس، والكل يأكل ويشرب!!

السابعة: المدير الذي يطالب مرؤوسيه خلال الاجتماعات بوجوب الانتظام في الحضور والانصراف، وإنهاء المعاملات بسرعة، وحسن استقبال المراجعين، ويلحق ذلك بتطبيق الجزاءات النظامية ضد من يخالف تلك التعليمات، وهو لا يلتزم بما قرره على الآخرين.

المرؤوس هنا سيطبق النظام عن غير قناعة، إنما خوفاً من ذلك المدير الذي يلاحقه بالنظام، وعند أي فرصة من غياب للمدير أو انشغاله أو انتقاله سيسلك الموظف ما يخالف النظام فسبب التطبيق قد زال!!

الثامنة: ذلك المسؤول الذي يخرج في وسائل الإعلام المختلفة حاثاً المواطنين على السياحة الداخلية لاكتمال مقوماتها، من أمن وأمان وأماكن سياحية، ورخص في الأسعار، وفائدة للوطن (سمننا في دقيقنا)، وهو يفر إلى دول الخارج للسياحة، فما هي الرسالة التي حققها بمخالفة عمله لقوله؟

ختاماً.. ما تقدم ليس دعوة إلى عدم بذل النصح والإرشاد، أو السكوت عند رؤية الخطأ، أو إذا كان الإنسان يفعل خطأ ما فلا ينصح الآخرين، ولكنها دعوة إلى النظر إلى (اللب) وهو مخرجات تلك العملية، وهو تجاوز النصيحة من آذان مستمعيها إلى استقرارها في قلوبهم من أجل تطبيقها عن طريق القناعة.



aljndl@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد