تجدد الاشتباكات في شمال لبنان أمس يعيد إلينا مخاوف انفلات مسبحة الاستقرار الأمني النسبي وتبعثر حبيباتها في فضاء الفوضى والدمار الذي سوف يطال الجميع بلا استثناء, فمن حين لآخر يثار التوتر ويعلو صوت الرصاص في طرابلس, وكأن هناك من يحاول ان يستغل عدة معطيات في هذه المنطقة من لبنان لجعلها قاعدة لانطلاق الفوضى من جديد ونفخ الشرر في باقي مدن لبنان وتعميم الحريق بها.
ففي طرابلس مربط الفرس ونعني به أن باب التبانة ذا الغالبية السنية المؤيد للأغلبية وفي جبل محسن غالبية شيعية مؤيدة لحزب الله وتحالفاته، وهو الأمر الذي يحتم بذل المزيد من الجهد لاجل التعامل مع الفتنة قبل اندلاعها, وأسوأ ما يمر به لبنان هو أن أزمته السياسية وإن كانت ذات أبعاد سياسية وحزبية مستندة على تحالفات إقليمية هي في الأساس تستند ايضا على خلفيات مذهبية وطائفية ومجرد ما تتضخم الأزمة ويتطاير شررها حتى تكتسي وشاح الطائفة والمذهب ويزول عنها الوصف الحزبي والسياسي وهذا هو أساس الخطر والمصيبة على لبنان واستقراره.
في طريق الحديث عن هذه الأحداث في طرابلس لابد لنا من القول ان الجيش اللبناني قد أصبح تحت مجهر الحدث في مثل هذه الأمور, فهو المؤسسة الوحيدة في لبنان التي أخذت على عاتقها التعامل مع مثل هذه الأحداث بنوع من الحيادية والتجرد من كل قناعات حزبية أو مذهبية, وهو الأمر الذي يتطلب بذل المزيد من الجهد لكي تظل هذه المؤسسة بمعزل عن أي تحزبات أو طائفيات, وان يظل أيضا أفراده بحصانة عن فيروسات التحزب والتمذهب لكي لا تنتقل اليه عدوى الفوضى ويتحول إلى عبء على لبنان بدلاً من حام له وصائن لاستقراره.
كما أن فوضى السلاح اللبناني الذين شرعنوا ممارساتهم الهوجاء تحت قاعدة الحزب والطائفة آن الأوان لوضع حد لهم من قبل مرجعياتهم الحزبية والطائفية, لكي يكون لها الأثر الايجابي في التعامل مع احتقانات الأزمة وتفرعاتها, فليس من المقول ان ينثر السلاح في أيادي ديماغوجيا الشارع ويترك لهم حرية التصرف به انطلاقاً من قناعات اثبات الوجود وتدعيمه, وهو الأمر الذي بات يشكل عبئاً على الأحزاب والمرجعيات الأساسية, وسوف يتحول هذا السلاح إلى كارثة وطنية جديدة وعنصر مهدد للامن والاستقرار ما لم يلجم طيش رصاصه وترسخ في عقلية حامليه انه وجد لأجل الوطن والذود عنه وحمايته وليس لأجل الحزب والطائفة والمذهب المتقوقع في تحالفاته وارتباطاته الخارجية.