أصدر بحث موسع عن تقويم تجربة الانتخابات البلدية عدة توصيات هامة، كان من أبرزها ضرورة وضع استراتيجية عامة ومتكاملة لتحديد الأسس والمنطلقات الفكرية والاجتماعية والسياسية والدينية لثقافة المشاركة في الشأن العام.
كما أوصى البحث بتكثيف الجهد البحثي والفكري لدراسة أوضاع الشباب والطلاب للوصول إلى تشخيص علمي دقيق للاتجاهات السائدة في أوساطهم.
وأكد ضرورة إعادة الاعتبار إلى قضايا الولاء والانتماء للوطن، والإحساس بالمواطنة، وجعلها واحدا من المحاور الأساسية في المضامين الاجتماعية والتربوية المستخدمة في التنشئة الاجتماعية، وفي البرامج التعليمية على كافة المستويات، وفي الخطاب الإعلامي في جميع مفردات المنظومة الإعلامية الوطنية.
وتضمنت توصيات البحث، الذي قام به مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام، ضرورة العمل على إيجاد المضامين الفكرية والتعليمية والإعلامية التي توضح حقيقة أن الانتماء والولاء للوطن والإحساس بالمواطنة هي قضايا أساسية لتحقيق الترابط والانسجام في المجتمع وهي أركان أساسية لتحقيق لوجود الدولة.
كما دعت هذه التوصيات إلى إنشاء منظومات إعلامية فرعية محلية مناطقية تستطيع إنتاج مضامين إعلامية مناسبة لظروف هذه المناطق ولطبيعة التركيبة السكانية فيها.
وتضمنت توصيات البحث ضرورة تحديد الموقف الديني من مسألة مشاركة المرأة في التصويت والترشيح، وتحديد ما هو ديني وما هو اجتماعي في الموقف من مشاركة المرأة، والتأكيد على ضرورة التقيد بالثوابت، ولا سيما الدينية منها، وتأكيد ضرورة إعادة النظر في بعض التقاليد والأعراف غير المناسبة.
كما تضمنت العمل على زيادة مراكز التسجيل والتصويت وزيادة الفترة الزمنية المتاحة للتسجيل والتصويت.
وفيما يلي ملخص لهذا البحث الذي جاء في 772 صفحة (ثلاثة مجلدات) في أربعة أبواب و22 فصلا بالإضافة إلى ستة ملاحق و175 جدولا إحصائيا، و267 شكلا بيانيا.
وقد أتاح التحليل المنهجي للنتائج التي توصل إليها البحث، والتحليل الذي وضع هذه النتائج ضمن السياق العام الذي أنتجها، وفسَّرها في ضوء البيئة الاجتماعية - الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية التي أفرزتها، والآراء التي أدلى بها الخبراء والاختصاصيون، أتاح هذا كله إمكانية تحديد مجموعة من التوصيات المحددة والدقيقة والواقعية والممكنة التنفيذ، وتم الحرص على صياغة هذه التوصيات بحيث لا تبدو منعزلة عن الواقع أو مقحمة عليه؛ بل بطريقة تضعها ضمن الأطر العامة لمجالاتها، الأمر الذي يجعلها أكثر وضوحاً، وأكثر قابلية للفهم والاستيعاب.
وقد تم تصنيفها ضمن فئات موضوعية، وفيما يلي عرض لها.
أولاً: التوصيات المتعلقة بالمشاركة في الانتخابات البلدية:
لا يمكن فهم ظاهرة المشاركة في انتخابات المجالس البلدية بمعزل عن السياق العام الذي أنتجها، ونقصد بالسياق البيئة الاجتماعية - الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية القائمة.
وقد أوضح البحث أن معطيات هذه البيئة ومكوناتها تترك آثارها؛ الإيجابية منها والسلبية، على ظاهرة المشاركة في الانتخابات أو عدم المشاركة فيها.
وأكدت نتائج البحث أن المشاركة، باعتبارها سلوكاً معيناً يعبر عن فكر معين، هي حصيلة أسباب اجتماعية واقتصادية وتربوية ودينية وثقافية.
ومن المؤكد أن هذه الظاهرة الناجمة عن هذه الأسباب، قد نشأت، وتطورت وترسَّخت عبر عملية معقدة ومتشابكة وممتدة في التاريخ وفي المجتمع.
وبالتالي فإن أية محاولة واعية وجادة لتغييرها أو حتى لتعديلها، سوف تكون بحاجة إلى عملية، هي بدورها، معقدة ومتشابكة وممتدة في التاريخ والمجتمع، ولكنها، بالتأكيد، ستكون معاكسة بالاتجاه للعملية الأولى.
وفي ضوء ذلك، نرى أنه من العبث الاعتقاد بإمكانية تغيير هذه الظاهرة، أو تعديلها، عبر اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة، أو عبر رفع شعارات غير واقعية، أو عبر تحديد أهداف غير قابلة للتحقيق، أو عبر الاندفاع باتجاه مغامرات غير محسوبة، قد تكون نتائجها كارثية.
وتأسيساً على ما تقدم، يوصي البحث بضرورة السعي الجاد لوضع إستراتيجية عامة ومتكاملة في المملكة، لتحديد الأسس والمنطلقات الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية لثقافة المشاركة في الشأن العام، ولتحديد الآليات والأشكال التنظيمية المناسبة لنشر هذه الثقافة، وترسيخها.
ويرى البحث ضرورة أن يشترك في وضع هذه الإستراتيجية العامة مسؤولون وخبراء واختصاصيون في العلوم السياسية والاقتصادية والدينية والأمنية والإدارية.
وانطلاقاً من هذه الإستراتيجية، نوصي بوضع السياسات المناسبة لتنفيذها في المجالات المختلفة، وفي المناطق المختلفة، وفي أوساط الفئات الاجتماعية المختلفة. وذلك بما يتلاءم مع الخصائص الذاتية لهذه المجالات والمناطق والفئات الاجتماعية.
وعلى أساس هذه السياسات يوصي البحث بوضع الخطط والبرامج التنفيذية المختلفة التي تضمن تطبيق السياسات وتحقيق الإستراتيجية.
سوف تُسهم هذه الإستراتيجية، بمنطلقاتها، وأسسها، وآليات تنفيذها، في إعادة النظر في التنشئة الاجتماعية والتربوية والإعلامية والدينية باتجاه إيجاد المواطن الذي يمتلك شخصية مستقلة ومتوازنة، ويستطيع التعبير عن ذاته وتحديد موقفه، في ضوء ثوابته، وخصائصه، ومعطيات واقعه وعصره.
كما يشعر هذا المواطن بالحرية والمسؤولية، ويندفع طوعاً وقناعة للمشاركة في الشأن العام؛ سواء في الانتخابات أو في غيرها من الفعاليات.
وفي ضوء هذه الإستراتيجية، وانطلاقاً من أسسها، يوصي البحث أيضاً بوضع الخطط الكفيلة بنشر وترسيخ ثقافة المشاركة ابتداءً من الأسرة ومروراً بالمدرسة والجامعة، وانتهاءً بالحياة العامة، وذلك من خلال تنمية الإحساس بالحرية والمسؤولية والاقتناع بأن المشاركة، سواء في الانتخابات أو في غيرها من الشؤون العامة، ليست فقط حقاً يجب المطالبة به، بل هي أيضاً واجب يجب أن يُؤَدى.
ثانياً: التوصيات المتعلقة بالشباب والطلاب:
أظهر البحث أن فئتي الشباب والطلاب هما أكثر الفئات سلبية في تقويم انتخابات المجالس البلدية، وأنهما أكثر الفئات تشدداً وتعصباً وانغلاقاً وعدم اكتراث ولا مبالاة.
ولذلك نرى من الضروري أن تهتم الإستراتيجية الوطنية المتكاملة لتحديد ثقافة المشاركة ونشرها وترسيخها، والتي أشرنا إليها في التوصية السابقة، وأن تُعطي اهتماماً خاصاً لفئتي الشباب والطلاب، وذلك لثلاثة اعتبارات أساسية:
أولها، أننا نحن، الذين نملك وسائل التوجيه والتربية والتعليم والتثقيف والدعوة والإعلام، المسؤولون عن تكوين هؤلاء الشباب والطلاب.
وثانيها: هو أن شباب وطلاب الحاضر، هم القادة والمسؤولون بعد عقد أو عقدين من الزمن.
وثالثها: أن قوى أخرى ضالة ومنحرفة تحاول استغلال مناخ الإحباط السائد في بيئة الشباب والطلاب من أجل تحييد هذه الفئات وإبعادها عن النظام كمقدمة لمحاولة كسب تعاطفها وتأييدها، وربما تجنيد عناصر منها.
ولذلك يوصي البحث بتكثيف الجهد البحثي والفكري لدراسة أوضاع الشباب والطلاب، للوصول إلى تشخيص علمي دقيق للاتجاهات السائدة في أوساطهما، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال عقد ندوات علمية متخصصة وإجراء بحوث ميدانية مسحية، ونوصي بأن تكون النتائج التي يتم التوصل إليها من خلال هذه الندوات والبحوث العلمية، أساساً ومنطلقاً لرسم السياسات ووضع الخطط والبرامج المناسبة لمواجهة المظاهر المختلفة للواقع المأزوم لهاتين الفئتين، والذي يمكن تحديد أبرز ملامحه على النحو التالي:
1- انتشار الفكر المغلق والمتشدد والمتعصب في أوساط الطلاب والشباب.
2- انتشار السلبية واللامبالاة وعدم الاكتراث وعدم الشعور بالمسؤولية.
3- الانغلاق على الذات، والتركيز على الهموم والانشغالات الشخصية والبعد عن الشأن العام.
4- الاستغراق في نزعة استهلاكية تكرس قيم الكسل والبلادة، وتحتقر قيم الإنتاج والإبداع.
هذه المظاهر التي أدت، كما أظهر البحث بوضوح، إلى عزوف الشباب والطلاب عن المشاركة، وإلى التقويم السلبي للانتخابات في المجالات الأخرى، أو حتى إزاء العملية الانتخابية بحد ذاتها كمبدأ أو كفكرة، الأمر الذي يؤكد أن موقف الشباب والطلاب من المشاركة، في الانتخابات البلدية يعكس موقفهم العام في المجتمع.
ومن هنا تأتي خطورة الوضع ودلالاته، ومن هنا يأتي أيضاً التأكيد في توصيتنا هذه على ضرورة الاهتمام بهذه الظاهرة ودراستها، مع إدراكنا الكامل، كما أشار البحث وكما أكد الخبراء والمختصون، أن هذه الظاهرة هي حصيلة عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية وتربوية متجذرة تستدعي التعامل معها ومقاربتها بقدر كبير من العلمية والمنهجية والجدية.
ثالثاً: التوصيات المتعلقة بالشعور بالمواطنة:
أكدّ الخبراء والمختصون الذين ناقشوا نتائج البحث أن ضعف الإحساس بالوطن والمواطنة، وربما انعدامه، هو السبب الرئيس لعدم الإحساس بالرغبة في المشاركة وفي القضايا العامة، ومنها الانتخابات.
ولذلك يوصي البحث:
1- إعادة الاعتبار إلى قضايا الولاء للوطن والانتماء للوطن، والإحساس بالمواطنة، وجعلها واحداً من المحاور الأساسية في المضامين الإعلامية والتربوية المستخدمة في التنشئة الاجتماعية وفي البرامج التعليمية على كافة المستويات الدراسية، وفي الخطاب الإعلامي في جميع مفردات المنظومة الإعلامية الوطنية.
2- إيجاد المضامين الفكرية والتعليمية والإعلامية التي توضح حقيقة أن الانتماء للوطن، والولاء للوطن، والإحساس بالمواطنة هي قضايا أساسية في حياة الفرد وتكوين شخصيته، وهي دعائم أساسية لتحقيق الترابط والانسجام في المجتمع، وهي أركان أساسية لوجود الدولة واستمرارها.
والخطوة التالية هي وضع هذه المضامين في نتاج فكري وتعليمي وفي خطاب إعلامي يعتمد على إستراتيجيات إقناع، ويستخدم نظريات تأثير تتناسب مع كل منطقة، ومع كل فئة اجتماعية، ومع كل مستوى حضاري وتعليمي، ومن ثم إيجاد الآليات المناسبة لإيصال هذا النتاج وهذه الرسائل إلى الجماهير المستهدفة.
3- إيجاد المضامين الفكرية والتعليمية والإعلامية التي توضح حقيقة أن الانتماء للوطن والولاء له والإحساس بالمواطنة هي قضايا تمثل مرحلة معينة من تطور الدولة والمجتمع، وتستجيب لمتطلبات وجود الدولة القوية والمجتمع المتجانس والمنسجم، وأنها بالتأكيد لا تتعارض بالضرورة مع الارتباطات الأخرى السابقة على قيام الدولة، والتي سادت في مرحلة معينة من تطور الدولة والمجتمع، وأصبحت عاجزة عن الاستجابة لمتطلبات الدولة العصرية، ومستلزمات المجتمع الحديث، بل هي، بالعكس، تطوّر هذه الارتباطات وتستكملها، وترفع بها إلى آفاق جديدة، وتستوعبها، وتغتني بها، وتتكامل معها.
ومن المهم هنا أيضاً، وضع هذه المضامين الجديدة في نتاج فكري وتعليمي وإعلامي يعتمد على إستراتيجيات إقناع ويستخدم نظريات تأثير مناسبة لكل منطقة ولكل فئة اجتماعية ولكل مستوى حضاري وتعليمي، وإيجاد الآليات المناسبة لإيصال هذا النتاج وهذه الرسائل إلى الجماهير المستهدفة.
4- وضع إستراتيجية تتضمن سياسات وخططاً وبرامج واقعية وعملية ومرحلية ومرنة من أجل تحقيق التوصيات الثلاثة السابقة، بشكل منهجي وتدريجي يراعي الأسس العلمية المعروفة في مجال التعامل مع الاتجاهات والسعي لتغييرها، أو تعديلها، أو زرع اتجاهات جديدة بديلة عن القائمة، ويجب مقاربة هذه المسألة بقدر كبير من الدقة العلمية؛ نظراً لأن الاتجاهات القائمة إزاء هذه المسائل هي اتجاهات راسخة ومنتشرة ومتسقة ومرتبطة بالذات والأنا وبقيم الجماعة ومعتقداتها وتقاليدها، ومن الثابت علمياً أن تغيير هذا النوع من الاتجاهات أو حتى محاولة تعديلها مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد.
رابعاً: التوصيات المتعلقة بالمناطق:
أظهرت المناطق الحضرية اتجاهات سلبية إزاء الجوانب المختلفة من عملية الانتخابات البلدية ومن فكرة الانتخابات عموماً، ولذلك يوصي البحث:
1- تسريع عمليات إيجاد الآليات والأوعية والأشكال التنظيمية التي تؤطر الفئات والمهن والنشاطات المختلفة، وتستوعب الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي، وتشجعه وتضبط إيقاعه وترسم مساراته، وتحل تدريجياً محل الروابط العصبية القبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية في جميع المناطق، ولكن وبشكل خاص في المناطق الحضرية التي يبدو أنها تعاني الآن من فراغ في أواصر الترابط بسبب ضعف الروابط التقليدية القديمة وتواريها، وتعثر عمليات إيجاد روابط جديدة عبر منظمات المجتمع المدني أو أية أوعية أو أشكال تنظيمية أخرى.
2- إنشاء منظومات إعلامية فرعية محلية مناطقية، تستطيع إنتاج مضامين إعلامية، وتوجيه رسائل اتصالية مناسبة لظروف هذه المناطق ولطبيعة التركيبة السكانية فيها، ولنوعية العصبيات السائدة فيها، وللمستويات التعليمية والثقافية والحضارية والاقتصادية الموجودة فيها.
ويوصي البحث أن تضم هذه المنظومات الإعلامية الفرعية صحفاً ومجلات ومحطات إذاعية وتلفزيونية محلية.
إن واحدة من سمات عصرنا هي تزايد أهمية الإعلام المتخصص ومنه الإعلام المحلي لأنه الأقدر على مخاطبة الجماعات المحددة والفئات المختصة ومعالجة مشاكلها والتأثير فيها لأنه يعالج هموم هذه الجماعات وانشغالاتها باللغة التي تفهمها هذه الجماعات ويساعد على ترابطها وتماسكها.
أما فيما يتعلق بالرياض العاصمة حصراً، فإن التطور الذي شهدته في جميع المجالات أدى إلى حصول تحولات في بنية المدينة وشخصيتها؛ سواء فيما يتعلق بتركيبتها السكانية أم درجة تجانسها البشري، أم نوعية العلاقات الاجتماعية، أم أسلوب الحياة السائد منها، أم نسيجها العمراني وحياتها السياسية والاقتصادية والثقافية والخدمية... نؤكد أن هذه التحولات لم تعد إطلاقاً كمية، وبالتالي لم يعد ممكناً مواجهتها بالأساليب القديمة، نرى أن هذه التحولات بنيوية ونوعية تستدعي مقاربتها بنوعية مختلفة من الأفكار والإجراءات.
وكما حدث في معظم العواصم العالمية الضخمة وحتى العواصم العربية، كالقاهرة مثلاً، يوصي البحث بإيجاد الآليات المناسبة التي تسهم في إيجاد قدر من التفاعل الاجتماعي والتوافق البشري، والمشاركة الفاعلة والتواصل الإنساني.
ونرى أن هذه الآليات يمكن أن تأخذ الأشكال التالية:
1- منظمات المجتمع المدني الأهلية بأشكالها وأنواعها ومجالاتها المختلفة..
2- الأشكال التنظيمية الاجتماعية والمهنية والثقافة ذات الطابع الرسمي أو شبه الرسمي التي يراها النظام مناسبة..
3- المنظومة الإعلامية الفرعية التي ينحصر نطاق عملها ومجال اهتمامها فقط في القضايا والمشاكل المتعلقة بالعاصمة، ومن المهم وجود صحيفة يومية متخصصة في شؤون العاصمة، ومحطة إذاعية خاصة فقط بالرياض الكبرى، ومحطة تلفزيونية متخصصة بشؤون الرياض الكبرى.
إن من شأن هذه الآليات أن تكون، إذا ما أحسنت الاستفادة منها، وعملت بالشكل المناسب لخصوصيتها، أن تكون بمثابة الساحة العامة التي يتواصل فيها سكان الرياض، ويناقشون أوضاعهم ومشاكل تطور مدينتهم ويتخذون قراراتهم، ويتفاعلون فكرياً واجتماعياً وإنسانياً واقتصادياً وسياسياً.
كما أن من شأن هذه الآليات أن تخلق مع الزمن روابط جديدة مناسبة تنتمي إلى العصر، بدلاً من الروابط القديمة التي تنتمي إلى عصر مضى ولن يعود، أو أن تملأ، بالتالي، الفراغ الناجم عن ضعف الروابط القديمة وعدم وجود روابط جديدة بديلة.
خامساً: التوصيات المتعلقة بمشاركة المرأة:
أظهر البحث فيما يتعلق بالموقف من مشاركة المرأة في التصويت في الانتخابات البلدية والترشيح لعضوية المجلس البلدي، تأثيرات الثقافة السائدة وهيمنة الأعراف والتقاليد وانتشار المفاهيم الخاطئة لبعض الأحكام الدينية، ولذلك يوصي البحث بما يلي:
1- تحديد الموقف الديني بشكل دقيق وواضح من مسألة مشاركة المرأة في التصويت وفي الترشيح.
2- تحديد ما هو ديني وما هو اجتماعي في الموقف من مشاركة المرأة.
3- تأكيد ضرورة التقيد بالثوابت والأحكام الدينية، وتأكيد إمكانية وربما ضرورة إعادة النظر ببعض القيم والتقاليد والأعراف غير المناسبة أو التي تجاوزها الزمن.
4- تأكيد خطأ اعتبار الأعراف والتقاليد والعادات أقوى من الأحكام الدينية.
5- إنتاج المواد التعليمية والتربوية والإعلامية التي تعالج هذه المسألة بشكل يتناسب مع الفئات الاجتماعية المختلفة (وفق متغيرات العمر والمستوى التعليمي والحالة الاجتماعية والمهنة)، وذلك بشكل يتناسب مع المناطق المختلفة من حيث طبيعة التركيب السكاني، ومستوى التطور، ونوعية العصبيات والانتماءات والولاءات السائدة.
6- إيجاد الوسائل الاتصالية واستخدام النماذج الاتصالية (الفردية والجمعية والجماهيرية والإلكترونية) المناسبة لإيصال مضامين هذه المواد عبر رسائل مقنعة موجهة إلى الجماهير المستهدفة.
سادساً: التوصيات المتعلقة بفئة (لا يعمل):
من المنطقي جداً ما أظهره البحث فيما يتعلق بفئة (لا يعمل)، التي كانت أكثر الفئات تقييماً سلبياً للانتخابات البلدية.
ويعود هذا، كما رأى الخبراء والمختصون، إلى الشروط المعيشية والتعليمية والاقتصادية التي تحكم حياة هذه الفئة الاجتماعية، والتي تدفعها إلى الإحساس بقدر من الإحباط والتهميش والعزلة والاستبعاد، ينعكس على مواقفها من القضايا العامة ومنها الانتخابات البلدية.
يوصي البحث بعدم الاستهانة بواقع هذه الفئة الاجتماعية وعدم تجاهل الاتجاهات السائدة في أوساطها.
خاصة أن موقفها السلبي في الانتخابات البلدية يعكس موقفها العام من معظم القضايا المتعلقة بالدولة والمجتمع.
ولذلك يوصي البحث:
1- وضع الخطط والبرامج الاجتماعية - الاقتصادية الكفيلة بمعالجة البطالة وتخفيف المعاناة الاجتماعية الاقتصادية والنفسية لهذه الفئة الاجتماعية.
2- إيجاد الوسائل المناسبة لإعلام هذه الفئة بهذه الخطط والبرامج وشرحها لها.
3- إيجاد الآليات المناسبة لتوعية أفراد هذه الفئة بالأسباب الذاتية والموضوعية لواقعها.
4- توجيه الرسائل الإعلامية، وإنتاج المضامين الاتصالية المناسبة التي تقنع أفراد هذه الفئة أن الانعزال والسلبية والانغلاق ليست حلولاً لمشاكلهم، بل إن الاندفاع إلى المشاركة، والمطالبة بالحقوق، والتعبير عن الرأي والموقف، هي السبيل الأمثل لحل مشاكلهم وخدمة مصالحهم.
5- أن يقوم هذا الخطاب الإعلامي على الوقائع القائمة على الأرض، وأن يترافق مع الإنجازات التي يتم تحقيقها في سياق تنفيذ الخطط والبرامج المتعلقة بهذه الفئة.
إن أي خطاب إعلامي لا ينطلق من هذه الوقائع والإنجازات المتحققة ولا يستند إليها سوف يبقى مجرد ضجيج دعائي عقيم، يزيد المشكلة تعقيداً بدلاً من أن يسهم في حلها.
سابعاً: التوصيات المتعلقة بالإعلام:
فيما يتعلق بالإعلام أوضح البحث محدودية الدور الذي مارسه في التشجيع على المشاركة في الانتخابات والتعريف ببرامج المرشحين، ونشر ثقافة انتخابية تسهم تراكمياً في إيجاد وعي انتخابي.
ومن أجل أن يستطيع الإعلام السعودي تحقيق ذلك يوصي البحث بضرورة أن يحقق الإعلام السعودي أقصى قدر من الموضوعية في تناوله للانتخابات، وأن يسعى إلى التخفيف من طابعه الرسمي، وأن يتمتع بهامش مناسب من حرية الحركة والمتابعة والمعالجة.
كما نوصي بضرورة أن يركز الإعلام اهتمامه الأساسي على الجوانب الجوهرية في الانتخابات وخاصة تلك المتعلقة بفكرة الانتخابات ومدلول المشاركة ودلالات الاهتمام بالشأن العام والفوائد التي يحققها ذلك كله على الوطن والمواطن.
ومن المهم جداً من أجل رفع فعالية التغطية التي يقدمها الإعلام للانتخابات أن يتجنب اعتبار الانتخابات مجرد حدث عابر يحتاج إلى تغطية إخبارية مكثفة لفترة زمنية محددة، وبعد ذلك ينتهي كل شيء.
نوصي بأن يتعامل الإعلام مع الانتخابات كعملية Process وليس كحدث.
وهذا يعني عدم اقتصار الإعلام على الجانب الإخباري الآني والراهن للحدث وعلى استخدام أسلوب السرد الصحفي الإخباري، بل يجب أن يركز على البيئة العامة للعملية الانتخابية، وعلى الأسباب والدوافع والمعايير، وأن يستخدم أساليب المعالجة ذات الطابع التفسيري والتحليلي والاستقصائي، حتى يتمكن المواطن، ليس فقط من أن يطلع على معلومات إخبارية حول الانتخابات، بل أن يفهم وبعمق جدوى العملية الانتخابية ومعناها ومغزاها، ودلالاتها وفوائدها، ومعوقاتها، وطرق إنجاحها، والآفاق التي تفتحها في حياة الوطن والمواطن.
كما نوصي بإلحاح أن يتوجه الإعلام برسائل اتصالية خاصة، وذات مضامين مناسبة للفئات الاجتماعية التي أبدت اتجاهات سلبية إزاء الانتخابات كفئتي الشباب والطلبة وإلى المناطق التي لم تُظْهر حماساً كافياً للمشاركة، ونرى أنه من الضروري ألا يقتصر الإعلام السعودي في تحقيق هذا الجانب من التغطية ذات الأبعاد التفسيرية والتحليلية والاستقصائية فقط على إنتاج الكوادر الإعلامية العادية المحترفة، بل نرى من الضروري أن يعتمد أيضاً على مشاركة الخبراء والمختصين في علوم السياسة والإدارة والاجتماع والنفس والتربية والدين، لأنهم الأكثر مقدرة على مخاطبة جمهور معني ومتعلم ومهتم وخاصة في الصحافة المكتوبة والمتخصصة والبرامج الحوارية الإذاعية والتلفزيونية.
كما يوصي البحث أن يحرص الإعلام على تقديم الانتخابات باعتبارها قراراً وطنياً مستقلاً، تم اتخاذه استجابة لمعطيات محلية، وسعياً لتحقيق أهداف محلية، وأنه يقع ضمن السياق العام للإصلاح الهادف إلى تكريس المستجدات السياسية والاجتماعية والثقافية التي يشهدها المجتمع السعودي في هذه المرحلة من التطور، وتأكيد حقيقة أن التحولات المتسارعة التي تحدث في مختلف المجالات، وعلى كافة المستويات في عصر العولمة، تحاول المملكة التعامل معها بما يتلاءم مع روح العصر وإيقاعه ومعطياته، وبما لا يتعارض مع خصائص المجتمع السعودي وثوابته.
تستطيع وسائل الإعلام المختلفة، بما تمتلكه من لغات تعبيرية مختلفة، ومن مقدرة على استخدام عناصر تجسيد فني مختلفة، أن تضع هذه المضامين في رسائل مختلفة وتعالجها بوسائل وأساليب مختلفة، تضمن وصولها إلى الشرائح الاجتماعية المختلفة، بشكل مُقْنع، وعبَر فني إعلامي عصري ومتطور.
كما نوصي الإعلام السعودي أن يؤدي دوراً مسؤولاً وملتزماً إزاء كل ما من شأنه أن يسيء إلى العملية الانتخابية.
وفي هذا الصدد نرى أن واجب الإعلام أن يقف موقفاً نقدياً من سلوك بعض المرشحين وتصرفاتهم، وخاصة تلك المتعلقة بالإسراف في النفقات، أو المبالغة في الوعود، أو اللجوء إلى إثارة نعرات عصبية أو استغلال منصب أو مكانة، من أجل تحقيق مكاسب انتخابية.
ثامناً: التوصيات المتعلقة بالنواحي الإجرائية:
أوضح البحث وجود بعض المعوقات الإجرائية والتنظيمية التي انعكست سلباً على سير العملية الانتخابية وعلى حجم المشاركة فيها، وحتى على الرغبة في المشاركة المستقبلية في الانتخابات.
ولذلك يوصي بالآتي:
1- تكثيف النشاط الإعلامي الهادف إلى تعريف الفئات والمناطق المختلفة، وعبر مختلف وسائل الاتصال، بآليات العملية الانتخابية ومواعيدها وطرق التسجيل والانتخاب، وذلك قبل وقت كافٍ من موعد الانتخابات، خاصة أن البحث قد أظهر عدم معرفة كثير من أفراد عينة البحث بهذه المسائل.
2- زيادة عدد مراكز التسجيل والتصويت، وزيادة الفترة الزمنية المتاحة للتسجيل والتصويت، وذلك نظراً لأن البحث أظهر أن بعض المبحوثين اشتكوا من قلة مراكز التسجيل والتصويت، ومن قصر الوقت المخصص للتسجيل والتصويت.
3- إيجاد أقصى قدر من التعاون والتنسيق بين الجهات الرسمية المسؤولة عن سير العملية الانتخابية وبين مختلف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وإيجاد الآليات المناسبة لضمان تحقيق هذا التفاهم والتعاون والتنسيق، بشكل يضمن تقديم تغطية شفافة ودقيقة وموضوعية للإجراءات الرسمية المتخذة من أجل ضمان سلامة العملية الانتخابية وتحقيق نزاهتها.
وذلك حتى يتم تجنب ما أظهره البحث من أن الانتخابات كانت فعلاً نزيهة ولكن انطباع الناس عنها أنها لم تكن كذلك.
تاسعاً: التوصيات المتعلقة بالبحوث المقترحة:
تم الحرص في البحث على أن يكون شاملاً للجوانب المختلفة المتعلقة بتقويم تجربة الانتخابات في المملكة.
وقد استطاع البحث، بفضل منهجيته العلمية الصارمة أن يحقق خطته العلمية.
ولكن، وكما أظهرت نتائج البحث ومؤشراته، وكما أكد الخبراء والمختصون في الندوة التحاورية التي عقدت لتفسير نتائج البحث، هناك الكثير من القضايا والظواهر المتعلقة بالانتخابات فكرةً وممارسةً، وبأسباب المبحوثين ودوافعهم واعتباراتهم، تستدعي إجراء المزيد من البحوث اللاحقة التي تستكمل ما بدأه هذا البحث، وتوضح الكثير من الأمور المتعلقة بموضوع هذا البحث والمرتبطة به، ومن البحوث التي أوصى الخبراء والمختصون بإجرائها مستقبلاً:
1- إجراء بحث عن واقع الفئة المتعلمة، التي ستكون صانعة القرار في المستقبل، وذلك من أجل تعزيز اتجاهاتها الإيجابية إزاء المشاركة في الشأن العام عموماً وفي الانتخابات خصوصاً.
2- بحث عن فئة الذين (لم يسجلوا) وبالتالي لم يصوتوا في الانتخابات البلدية وذلك من أجل البحث المتعمق لأسبابهم ودوافعهم واتجاهاتهم.
3- بحث عن وضع المرأة، يوضح وجهة نظرها في الانتخابات ومشاركتها فيها.
4- بحث حول مدى تأثير مصداقية المجالس البلدية المنتخبة في مسار الانتخابات البلدية المستقبلية.
5- بحث مستقل عن الشباب والطلاب وموقفهم من المشاركة في الشأن العام ومن الانتخابات.
6- بحث خاص عن حجم الخسائر الوطنية الناجمة عن تغييب المرأة عن الشأن العام، مقارنة مع المكاسب في حال مشاركتها في الشأن العام.
7- دراسة فقهية مقارنة لوضع المرأة، توضح ما هو شرعي وما هو اجتماعي في النظر إلى المرأة.
8- بحث عن العلاقة المتبادلة بين التنمية والانتخابات.