من ضمن لحظات العمر السعيدة المعدودة، رحلتي للمدينة المنورة مؤخراً، حيث لبيت دعوة علمية كريمة من جامعة طيبة لمناقشة رسالة ماجستير في الأدب ونقده بقسم اللغة العربية في كلية التربية للبنات.
فلقد وجدت من الحفاوة والتكريم والترحيب منذ لحظات وضع أقدامي في مطار مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، حتى آخر لحظة من إقامتي في طيبة الطيبة، مما جعل الذاكرة تعود قروناً وقروناً عبر تاريخينا الإسلامي المجيد إلى لحظة وصول محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام إلى مدينة يثرب التاريخية، وما لقيه من الحفاوة البالغة والحب الصادق والاحتواء الذي بلا حدود له ولصحبه رضوان الله عليهم، من أهل تلك البقعة الطاهرة.
وكأنَّما التاريخ يعيد نفسه كلما حلَّ ضيف عزيز على أهل المدينة الطيبين الأخيار، حيث فاضت عيناي بالدمع وأنا أتذكر رحلة الحبيب إلى هذه البقعة المباركة وما عوّضه الله فيها عن ما وجد لدى قومه من صدّ وظلم.
ثم من كرم الضيافة وحسن الاستقبال، انتقلنا إلى قاعة المناقشات العلمية، حيث أجواء الود الصادقة من جميع الأخوات الأستاذات الكريمات وطالبات العلم اللاتي يذكّر مرآهن بنساء السلف الصالح من حيث السكينة، وعلو الخلق، وروعة التعامل، والحرص على طلب العلم، وحسن الإنصات لمن يسبقهن بالخبرة والتجربة العلمية والتعليمية، تحفهن مع أستاذاتهن أجواء الوئام والاحترام.
وكانت المناقشة تدور حول وسائل تحديث التراث الأدبي والنقدي، حيث كان عنوان الرسالة هو سبب جذبي للموافقة على المشاركة في المناقشة، فقد استخدمت الباحثة أساليب النقد الحديث ومصطلحاته المعاصرة لإحياء جزء من الدراسات الأدبية في أحد العصور القديمة الماجدة، وهو العصر العباسي الذي يعدّ أدبه بحراً بلا ضفاف.
وفي واقع الأمر أنا من المؤيدين لإحياء تراثنا العظيم الفكري والأدبي، وعدم فصم عراه عن واقعنا المعاصر، وذلك عن طريق تجديد الدراسات حوله، وتحديث طباعته وإخراجه، دون تغيير لاتجاهاته أو مفاهيمه، أو طمس لمعالمه ورؤية عصره، لأننا إن فعلنا ذلك المطلوب أغرينا الجميع وفي مقدمتهم الأجيال الصاعدة بالإقبال عليه وحسن استيعابه والاقتداء به بروح عصرية.
ختاماً لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر المنهمر والحمد المستمر، لله تعالى، ثم لجميع القائمين والقائمات على هذا الصرح العلمي الشاهق، وفي مقدمتهم سعادة الدكتور عميد الدراسات العليا في الجامعة، وسعادة الدكتورة وكيلة الكلية للدراسات العليا، على ما أحاطوني به من عناية ورعاية هي من طبع أهل تلك البلدة الطاهرة الطيبة المعطاءة.
g.al.alshaikh12@gmail.com