Al Jazirah NewsPaper Friday  25/07/2008 G Issue 13084
الجمعة 22 رجب 1429   العدد  13084
إياكم والغلو
منيرة بنت عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ *

لقد كثر الخوض في هذا الموضوع قديماً وحديثاً وهو من أخطر الأمور تضل فيه الأفهام، وتزل الأقدام، ويفضي إلى التنافر، وتفرق الأمة.

إن هذا الموضوع لا يدخل فيه ولا يتكلم عنه إلا بضوابط وأصول أوضحها لنا علماؤنا الأجلاء من عهد السلف الصالح إلى وقتنا الحاضر، ولقد ألفوا كتباً في بيان نواقض الإسلام وحكم مرتكب الكبيرة التي تكون دون تلك النواقض ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وغيرهم من علماء هذه الدولة أعزها الله برفع كلمة الحق عالياً، ومن أجل درء هذا الخطر العظيم، وبيان الحق من الباطل، ولا يجوز أن يتكلم فيه من ليس عنده علم ومعرفة وبصيرة، ولا يحكم بالكفر إلا على ممن كفره الله ورسوله لارتكابه ناقضاً من نواقض الإسلام المجمع عليها من أهل العلم والعرفان، ومن ثم يجب على المسلم أن يتعلم قبل أن يتكلم ولا يتكلم إلا عن علم وإلا فإنه إذا كفر مسلماً يكون قد ارتكب جريمتين عظيمتين إحداها أعظم من الأخرى.

الأولى: هي القول على الله بغير علم قال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.

والثانية: في حق المسلم بحكمه عليه بالكفر وإخراجه من الإسلام وهذا يترتب عليه أحكام: مفارقة الزوجة. ولا يورث ولا يرث، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه. ولا يدعى له، ولا يدفن في مقابر المسلمين، فليتنبه على قوله، ولا بد أن يتعلم ما هي الأشياء التي تقتضي الكفر والردة ولا يتكلم بجهل.

ويعتقد أن من خالفه في رأيه يكفر مع انه لا يكفر إلا من قام الدليل على تكفيره من الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين.

فالعلم يجب أن يؤخذ من العلماء الربانيين الراسخين في العلم ولا يؤخذ العلم عن الكتب قراءة أو مطالعة ولا في حفظ النصوص، فليس بحفظ القرآن أو حفظ الكثير من الأحاديث يكون المرء عالماً.

إن العالم هو الفقيه الذي يفقه دين الله عز وجل وهذا لا يكون إلا بالتعلم والتلقي عن العلماء الربانيين الذين يبينون له معنى هذه النصوص التي حفظها وطالعها، وقد يكون فهمه فهماً بعيداً عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم إذا حصل له هذا العلم والتلقي الصحيح وعرف نواقض الإسلام وما هي الأشياء التي تخرج عن الإسلام ولا بد من التثبت في حق الشخص قبل الحكم عليه، وما دام لم يظهر من الشخص شيء يخالف الإسلام فنحسن الظن به ونحكم بإسلامه ولو حصل بعض المخالفات التي هي دون الشرك ودون الكفر من ذنب أو معصية ما لم يرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام المعروفة عند أهل العلم، ولا يكون له عذر من جهل أو حديث عهد بالإسلام فيبين له ويعلم أحكام الإسلام فإن أصر ولم يترك هذا الشيء حكم بكفره.

وليس من حق كل أحد من الطلبة المبتدئين والقراء أن يكفروا ويخرجوا الناس من دينهم وهم لا يعرفون نواقض الإسلام فمن وقع في شيء من ذلك فليتب إلى الله عز وجل ويكف لسانه عن التكفير بغير حق وأن يتعلم قبل أن يتكلم، أن يسأل أهل العلم ويتفكر في الأمر وينظر في حال الشخص فالحكم بالقتل على شخص أخف من الحكم بالكفر وقد توعد الله من قتل مؤمناً متعمدا بالخلود في جهنم وغضبه ولعنه وأعد له عذاباً شديداً، فهذه حرمة الدم فكيف بحرمة الدين. قال صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وموالكم وأعراضكم عليكم حرام) فلو حكمت على شخص بالردة أو بالكفر أو قلت يا عدو الله أو يا منافق وهو لا يستحق هذا فإن كلامك يرجع عليك كما جاء في الحديث: (من قال لأخيه يا كافر أو يا منافق أو خبيث أو يا عدو الله وهو ليس كذلك إلا حارت عليه). وأول من وقع في تكفير الأمة هم الخوارج وذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الفيء الغنائم، في غزوة حنين فقال له هذا الرجل: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل، فقال صلى الله عليه وسلم: (ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم، سيخرج من ضئضئ هذا أناس تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وتحقرون صيامكم مع صيامهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) رواه البخاري في صحيحه، وذلك بأنهم كانوا يكفرون من لا يستحق الكفر وقال صلى الله عليه وسلم: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد). وكذلك ما حصل منهم في جيش علي رضي الله عنه والذين لم يرضوا بحكم رجلين من الصحابة للحكم بينهم فخرجوا على علي رضي الله عنه وكفروه وقالوا إنك حكمت الرجال والله تعالى يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ}. فأرسل لهم علي رضي الله عنه ابن عمه عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - فناظرهم وأجاب عن شبهاتهم وبين خطأهم فرجع منهم ستة آلاف وبقي أكثرهم مصرين على ضلالهم وعلى تكفيرهم فكانت موقعة النهروان التي نصره الله فيها وقتل منهم كثير.

فمن كفر المسلمين وكفر حكام المسلمين أو علماءهم فإنه من هذه الفئة الضالة يجب قتالهم لكن بعد محاورتهم ودعوتهم إلى الحق فن أصروا فإنهم يقاتلون كما قاتلهم علي رضي الله عنه ومن جاء بعده من ولاة أمور المسلمين.

* الرياض



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد