إعداد - محمد بن سليم اللحام:
شدد فضيلة الشيخ صالح الونيان إمام وخطيب مسجد النصر بمنطقة القصيم على أهمية جناب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع وقال لقد فرض الله على المسلمين أن يحملوا مواريث النبوة، ويقودوا الناس إلى طريق الخير، وبهذا وحده كانت هذه الأمة خير الأمم قال تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} وأمة هذا شأنها تنال من رحمة الله بجمع شملها، وإصلاح ذات بينها، ويقيها السوء، ويدفع عنها المفاسد والشرور قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ} فتسلم من النقص والخسران وتسير إلى غايتها الكبرى من العلم النافع والعمل الصالح والتوجيه الحق، ومن ثم يمكن الله لها في الأرض، وتقوم بخلافة الله في تنفيذ أمره ونهيه، قال تعالى: { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}
وأضاف فضيلته في حديثه عن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وإذا كان لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه الآثار البعيدة المدى في حياة الأمة، فإن لإهمالها والاستهانة بها آثاراً عكسية في حياة الأمة، من الاستخفاف بالدين، والتضييع للعقائد، والاستهتار بالأخلاق، والتهوين من شأن الفضائل، والإخلال بالآداب الحسنة، مما يعرض الأمة للعقاب الأليم.
التحذير الشديد
وأردف فضيلته فقد حذرنا الله تعالى من أن نتعرض لما تعرض له غيرنا من اللعن بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.
ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة التي تقوم بهذه الفريضة فتنجو، والأمة التي تهملها فتهلك فقال صلى الله عليه وسلم (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء، مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم ما أرادوا، هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعاً).
وقال الشيخ الونيان ومن سنن الله أنه إذا وقع الإهمال بأن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم وقع العذاب، فإنه يعم الفاعل للمنكر والتارك للإنكار، قال تعالى {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. مشيراً إلى أن كثيراً من الناس لا يشكّون في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يشكون في فائدته للأمة ولدينها في الحاضر والمستقبل، ولكنهم يتقاعسون عن ذلك، إما تهاوناً أو تفريطاً، أو اعتماداً على غيرهم وتسويفاً، وإما جبناً يلقيه الشيطان على قلوبهم وتخويفاً، والله تعالى يقول {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} وبعضهم يتعلل بقوله (عليكم أنفسكم) ولقد قطع الطريق على هؤلاء أبو بكر رضي الله عنه حينما خطب، فقال: (أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب).
الإصرار والصبر
وأكد الونيان أن تخويف الشيطان أولياءه وتسليطهم لا ينبغي أن يمنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالقائم به قائم بوظيفة قام بها الرسول من قبل، ولا بد أن يناله من الأذى ما يناله، كما قد لاقى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وقد لاقى الأنبياء والرسل من أقواهم أشد الأذى وأعظمه، حتى بلغ ذلك إلى حد القتل، قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فنوح عليه الصلاة والسلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فكان عظماؤهم وأشرافهم يسخرون منه، ولكنه صامد في دعوته، يقول {إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} حتى هددوه بالقتل بقوله { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن سلك شتى الطرق مع قومه يدعوهم إلى الله، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا: اقتلوه أو احرقوه، فما ثنى ذلك عزمه، ولا أوهنه عن دعوته، بل مضى في سبيل دعوته إلى ربه بعزم وثبات حتى أزال منكرهم حينما كسر أصنامهم، حتى بلغ بهم الحال إلى أن أرادوا أن ينفذوا ما هددوه به من الإحراق، فأضرموا ناراً عظيمة، وألقوا إبراهيم فيها ولكن الله تعالى قال لها {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}، فكانت برداً لا حراً فيه، وسلاماً لا أذى فيه مع أن من خاصة النار الإحراق، ولكن الله تعالى سلبها هذه الخاصة. وموسى عليه السلام حصل له معارك عديدة مع فرعون المتكبر الجبار، دعاه موسى إلى الله تعالى، فتوعد موسى بالسجن والقتل، فما وهن موسى ولا استكان، بل مضى في دعوته. وهذا عيسى عليه السلام أوذي، ورميت أمه بالبغاء، وعزموا على قتله، واجتمعوا عليه، فألقى الله شبهه على رجل، فقتلوا ذلك الرجل وصلبوه وقالوا: إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم فقال تعالى مكذباً لهم {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ} وهذا خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم لم يسلم من الأذى في دعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، بل ناله من الأذى القولي والفعلي ما لا يحتمله ولا يطيقه إلا من كان مثله، ولم يثنه ذلك عن دعوته إلى الله عز وجل، فآذوه بكل ألقاب السوء والسخرية، وآذوه بالأذى الفعلي، فوضعوا عليه سلا الجزور وهو ساجد، ورموا الأذى على بابه، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، وخنقه عقبة بن أبي معيط في ثوبه خنقاً شديداً، ولم يثنه ذلك على دعوته.
وشدد الونيان على أن هذا الصبر العظيم على الأذى الشديد الذي لقيه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لأكبر عبرة يعتبر بها المؤمنون والآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، ليصبروا على ما أصابهم، ويحتسبوا الأجر من الله، ويعلموا أن للجنة ثمناً حيث قال تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}.
جحيم الترك
وأشار فضيلته إلى أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شأنه أن يحول المجتمع إلى جحيم المعاصي، ويجعله لقمة سائغة لأعدائه وتتزعزع العقيدة في نفوس أبنائه، ويتمكن أعداؤه من سلب الأمة من ريادتها وإنزالها من عليائها إلى الحضيض.
ودعا إلى تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حاثاً على اتخاذ السلف الصالح قدوة في ذلك محذراً من مغبة عدم القيام بما أوجب الله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله لوجود أعداء يتربصون لانتزاع المسلم من إسلامه.
المكروه من العمل
وأضاف فضيلته فما يصيبنا من المكروه إنما هو بسبب أعمالنا قال الله تعالى {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} وأردف قائلاً فكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، فضيعوا أمره ونهيه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب، فهو كالمعاند!! كما قال أحد السلف: رجاؤك الرحمة ممن لا تطيعه من الخذلان الحق.
وبين الشيخ الونيان أن نعم الدنيا متوافرة ومتنوعة، داعياً للنظر في موقفنا من هذه النعم، أنحن شكرناها؟ أم أن بعض الناس استعملها في معاصي الله؟ وقال والحق أن النعم تزيد، ولكن المعاصي أيضاً تزيد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج)، ثم تلا قوله تعالى {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} وقال بعض السلف: إذا رأيت الله عز وجل يتابع عليك نعمة وأنت مقيم على معاصيه، فاحذره، فإنما هو استدراج منه يستدرجك به وقد قال الله تعالى {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}.
الإملاء والإمهال
وأضاف الشيخ الونيان أن الناظر في مجتمع المسلمين اليوم يجد أن أعداء الإسلام قد نجحوا إلى حد في جهودهم فالكل قد اشتغل بما عنده عن غيره، فإذا انتشر الفساد، وهجرت أحكام الله، وعصي في أرضه، وفعل المنكر، ودعي إلى المنكر، فإن الله يملي للظالم ويمهله، ثم إذا أخذه، لم يفلته، بل وسلط عليه أعداءه، حتى يسوموه سوء العذاب، ولا منقذ إلا العودة إلى الله.
ودعا فضيلته إلى التفكر بنعمة الأمن داعياً لقرنها بضدها ليتضح أثرها وأهمية وجودها وقال تصوروا حالة الخوف كالذي حدث في بعض البلاد، حتى أصبحوا في مكامن تحت الأرض، لا يستطيعون الخروج ولا البحث عن الأكل والشراب، واشكروا الله تعالى على هذه النعم، واستقيموا على طاعته، لأن الله وعد بنصر من ينصره.
إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر