في كل صيف يقدر لكل منا حضور بعض مناسبات الزواج، وكل منا يخرج بانطباع عن هذه الحفلات، ومع تمنيات الجميع لكل من يتم زفافهم في تلك الأفراح بالتوفيق والسعادة والخير إلا أن بعضهم بل الأكثرية تعجبهم وتحظى بتقديرهم تلك الحفلات الهادئة المختصرة التي تقام في منزل والد العروس أو في مكان آخر مختصر والتي يحضرها كل من يدعى إليها من الأقارب والأصدقاء والجيران ا لذي بإمكانك كمدعو ان تتعرف عليهم جميعهم..
.. والتي حددت فيها الولائم بما يتناسب مع أعدادهم فكانت تلك الولائم معقولة ومستهلكة في آن واحد، ولم يكن مصيرها صناديق المخلفات في الشوارع والميادين.
وأما تلك الحفلات التي ربما لا تحظى بتقدير الكثير فهي تلك التي تتصف بالمبالغة في الإنفاق والولائم وأماكن الحفل والمدعوين الذين لا يحضر الكثير منهم فالوجبات تحدد على ضوء عدد المدعوين ثم يفاجأ صاحب الدعوة ان الكثير ممن وجهت له الدعوة لم يحضر حيث يترتب على ذلك وجود أعداد كثيرة من موائد الطعام مع عدم وجود من يجلس حولها.
إن الذين يبالغون في حفلات الزواج والإنفاق عليها يتمسكون بمقولة انها (ليلة العمر) والسؤال الذي يوجه كل ليلة عمر تحصل لدينا ولماذا نقصر أفراحنا في الحياة على هذه الليلة؟ إن التفاؤل يجب أن يكون موجودا وأن نستشعر أن أيامنا كلها محبة ومودة وفرحا، فالعقيدة التي نستظل بها والأمن والرخاء والاستقرار الذي نعيشه بحمد الله في بلادنا بحد ذاته يعتبر قمة السعادة والفرح والخير.
إن الشريعة الإسلامية تحث على الزواج بل توجبه لمن لديه القدرة عليه كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وقوله صلى الله عليه وسلم (أيها الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) ولكن ينبغي أن نكون في إقامة أفراحنا وسطيين كما أن شريعتنا وسطية، لقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجون ولا يعرف أنهم قاموا بذلك إلا في صباح اليوم التالي بعد أن يخبروا من حولهم بذلك.
إن الهدف من إقامة حفل الزواج هو إعلانه وإعلان الزواج يمكن أن يتم بأيسر وسيلة وليس المطلوب أن يكون إعلاناً صاخباً ومكلفاً ذلك أنه كلما كان حفل الزواج بسيطاً وغير مكلف كان بتوفيق الله أقرب للنجاح والسعادة، أما بالنسبة لمن لم يحضر من المدعوين لحفل الزواج حتى لو كان مبالغاً فيه فيقال لهم: إن دعوة المعنيين بحفل الزواج لكم بالحضور يعتبر تقديراً واحتراماً لكم فلماذا تجاهل هذه الدعوة؟ إن لكم أولاداً وبنات سوف يتزوجون يوماً فهل يرضيكم عدم حضوركم دعوتكم؟ لذا فإنكم كما تدينون تدانون، ومن ناحية أخرى فإن إجابة الدعوة لحضور أمر مشروع أو مباح واجبة (إذا دعيتم فأجيبوا) ذلك ان حضور حفل الزواج ليس لمجرد الحضور وليس لتناول وجبة العشاء إن الحضور يحمل بعداً يتجاوز ذلك لكونه يحقق نوعاً من التعاون على البر والتقوى والترابط الاجتماعي، فحضور حفل الزواج فرصة للالتقاء بأقارب وأصدقاء ربما قد مضى وقت طويل من عدم رؤيتهم والتحدث إليهم، والاستئناس بآرائهم وأفكارهم.
إن الموضوعية والاختصار في طلب المهور واحتفالات الزواج إذا كانت مطلوبة شرعاً وعقلاً فإننا اليوم أشد ما نكون في حاجة إلى ذلك، إن تجاوز سن الزواج لدى الكثير من الشباب ذكوراً وإناثاً هو الأولى بالاهتمام والبحث عن الحلول فقد يكون غلاء المهور ومظاهر الزواج وتقليد بعضنا البعض في هذا المجال هو أحد الأسباب الرئيسة لعزوف الشباب عن الزواج، مما يدل على ذلك لجوء بعض الشباب للزواج من الخارج.
إن الشباب لا يبحثون عن مظاهر وإقامة الحفلات كما أن الشابات لا يبحثن عن زيادة المهور لأن المهر ليس قيمة للمرأة لكي يتم تقديرها به وليس مصدراً للرزق لوالدها بل هو صلة ومودة وبمثابة هدية يقدمها الرجل لزوجته عند إبرام عقد الزواج.
ومن معوقات الزواج أيضاً المفهوم السائد عن الكفاءة في الزواج وهو مفهوم لا يتمشى مع الواقع المعاصر ومع مفهوم الشريعة الغراء فمنذ ظهور الإسلام أصبحت الكفاءة بين المسلمين هي الدين ودرجة التقوى مصداقاً لقول تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، حيث وحد الدين الحنيف بين المسلمين {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، فإذا كان قرب أو بعد المسلم من الخالق العظيم هو مستوى تقواه فإنه من باب أولى أن يكون التعامل بين المسلمين في الزواج أو غيره حسب هذا المعيار لكوننا المخلوقين الضعفاء فقد ورد في الذكر الحكيم {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} وهو دليل آخر في هذا الشأن لكون الزواج من أهم أسباب التقارب والتعارف ولذلك عمل الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام في عهد الخلفاء الراشدين - العصر الذهبي للتشريع الإسلامي - بهذه المبادئ العظيمة، فقد زوج الرسول الكريم بنت عمته القرشية مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه بل ان الله عز وجل أمر رسوله بأن يتزوجها بعد زيد كما ان بلال بن رباح رضي الله عنه وهو الرقيق الحبشي الذي أعزه الله بالإسلام ونال حريته بسببه قد تزوج من أخت الصحابي الجليل وأحد المبشرين بالجنة عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه والذي ينحدر نسبة أيضاً من قريش أشرف قبائل العرب فهل نحن مع تقصيرنا الكبير أكثر إدراكاً وفهماً وشرفاً من هؤلاء الكرام، أو أن تصرفاتنا هي مجرد عادة اجتماعية أو عرفاً اجتماعياً، وإذا كان الأمر كذلك فهل العرف الاجتماعي أولى من تعاليم الدين الحنيف، ثم إنه إذا كان لابد من مراعاة مبدأ الكفاءة فإنه ينبغي قصره على ما قد يتمشى مع مفاهيم العصر الحاضر كالمستوى التعليمي والمالي ونحو ذلك وليس على ما يتعارض مع روح ومبادئ الإسلام.
إذاً فإن هذه الأسباب غلاء المهور والمبالغة، في مظاهر الزواج بين الشباب ذكوراً وإناثاً، ومفهوم الكفاءة السائد تساهم بدرجة كبيرة في الحد من الإقبال على الزواج ذلك ان الشباب ذكوراً وإناثاً يسعون إلى تكوين حياة زوجية سعيدة يكون من ثمارها العشرة الطيبة والذرية الصالحة دون اهتمام بتلك المظاهر والمعوقات فهل يحظون بالمساعدة في ذلك؟ هذا ما نتمناه، وذلك بدلاً من لجوء الشباب للزواج من الخارج وانتظار بناتنا في المنازل بدون زواج مع انه من ضمن ما تحرص عليه حكومتنا وفقها الله تنظيم كل ما يتعلق بشؤون المواطنين رجالاً ونساء بما في ذلك تنظيم شؤون الزواج من خارج المملكة فقد سبق ان صدر قرار مجلس الوزراء رقم (824) في 10 - 11-7-1393هـ حول تنظيم الزواج من خارج المملكة حرصت فيه الحكومة على ألا يؤثر هذا الزواج على مصلحة الوطن ومصلحة المواطنة السعودية وكانت محصلة هذا التنظيم أو هدفه هو ألا يتم اللجوء للزواج من الخارج إلا في حالات الضرورة القصوى وبالذات إذا كان من يرغب الزواج من خارج المملكة من الشباب إذ لا عذر للشباب في الزواج من غير بنات الوطن إلا إذا كان لديه أسباب مشروعة معقولة تقتنع بها الجهة المعنية، وقد بلغ الحرص على مصلحة الوطن ونساء الوطن القيام بفصل الموظف الذي يتزوج من الخارج قبل الحصول على موافقة بذلك وعدم السماح بدخول الزوجة للمملكة وقد كان لذلك التنظيم للزواج من الخارج أثره الإيجابي في الحد منه، وقد تم مؤخراً تطوير ذلك التنظيم عندما صدرت قواعد جديدة تحكم الزواج من الخارج تم التأكيد فيها على كثير من القواعد الواردة في التنظيم السابق ومنها عدم السماح لكبار المسؤولين ولموظفي جهات معينة تتصف بالأهمية والحساسية من الزواج من الخارج.
كما تم في التنظيم الجديد وهو (لائحة زواج السعودي بغير سعودية والسعودية بغير السعودي) الصادرة بقرار سمو وزير الداخلية رقم (6874) في 20-12-1422هـ استحداث قواعد جديدة ومن ذلك ما يلي:
* السماح بالزواج بين المواطنين السعوديين والمواطنات السعوديات ومواطنو دول مجلس التعاون، والزواج من المولدات من أمهات سعوديات وآباء غير سعوديين، ومن غير السعودية المولودة في المملكة من أبوين غير سعوديين باستثناء موظفي بعض الجهات الحكومية ذات الأهمية ورؤساء مجالس الشركات المساهمة والأعضاء المنتدبون لها.
* عدم السماح لموظفي المرتبة الرابعة عشر فما فوق من الزواج من الخارج وعدم ترقية الموظف المتزوج بغير سعودية الذي يشغل مرتبة أقل إلى المرتبة الرابعة عشر فما فوق.
* عدم السماح لموظفي الجمارك من الزواج بغير سعوديات وذلك لأهمية وحساسية أعمالهم وتعلقه بالمصلحة العامة.
* إلغاء عقوبة فصل الموظف الذي يتزوج من خارج المملكة بدون موافقة رسمية لكون فصله يؤدي إلى الضرر المادي بأسرته، واستبدال عقوبة الفصل بإحالة المواطن المتزوج من الخارج بدون موافقة مسبقة سواء كان موظفاً أو غيره للمحاكمة في ديوان المظالم، إضافة إلى عدم توثيق الزواج، وعدم السماح بدخول الزوجة أو الزوج (في حالة زواج المواطنة من الخارج) إلى المملكة وإنهاء إقامتهما إذا كانا مقيمين داخل المملكة.
وبعد فإن ما صدر مؤخراً من تنظيم للزواج من الخارج يهدف بأن يكون الزواج من الخارج استثناء وليس قاعدة أو ظاهرة وأن يتم في حالات الضرورة الملحة التي تقتنع بها الجهات المعنية وذلك من أجل حماية حق المواطنة السعودية وحماية المصلحة العامة إضافة إلى السلبيات التي تصاحب في الغالب الزواج من الخارج ومن ذلك ما يلي:
* اختلاف بيئة وعادات الزوجة من الخارج عن بيئة وعادات المجتمع السعودي.
* عدم إحاطة المواطن المتزوج من الخارج بالوضع الأسري والاجتماعي الكامل لزوجته لبعده عن بيئتها ومجتمعها.
* تأثر وضع الأولاد لكون أحد والديهم غير سعودي في حالة حصول طلاق.
* التكلفة المادية التي تلحق الزوج بسبب تكرر سفر زوجته لموطنها لزيارة أسرتها.
* الموقف الحرج الذي قد يحصل للزوج أمام طلبات زوجته المستمرة باستقدام أقاربها للعمل في المملكة.
وأخيراً فإن زواج المواطن السعودي بالمواطنة السعودية هو الأصل والأفضل وأقرب للاستقرار والنجاح (فالأقربون أولى بالمعروف) وهو الذي يتمشى مع المصلحة العامة وهو ما تهدف إليه قواعد تنظيم الزواج من الخارج والتي صدرت بمجهودات من وزارة الداخلية وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ولابد ان يقابل هذا الإنجاز من الدولة تعاون المواطنين حول تشجيع أبنائهم على الزواج من الداخل وايضاح سلبيات الزواج من الخارج لهم كما لابد ان يكون هناك مرونة في عدم التشدد في المهور وشروط الزواج وينبغي أن تكون الاستقامة والتمسك بالدين والأخلاق الفاضلة هي أساس عقد الزواج وأن يتمثل أمامنا دائما قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (من جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه) وقوله عليه الصلاة والسلام حول اختيار الزوجة (فأظفر بذات الدين تربت يداك) فنحن في هذا الوطن تجمعنا أسرة واحدة هي الأسرة السعودية الكبيرة الذي أساسها شريعة الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ثم رعاية القيادة الكريمة.