أهدى المنذر الأكبر ملك الحيرة إلى كسرى أنو شروان جارية - فتاة - كان قد أصابها إذ أغار على الحارث الأكبر بن أبي شمر الغساني، فكتب على أنو شروان يصفها:
إني قد وجهت إلى الملك جارية معتدلة الخلق، نقية اللون والثغ، بيضاء، قمراء وطفاء، كحلاء، دعجاء، حوراء، عيناء، قنواء، شماء، برجاء، زجاء، أسيلة الخد، شهية المقبل، جثلة الشعر، عظيمة الهامة، بعيدة مهوى القرط، عيطاء، عريضة الصدر، كاعب الثدي، ضخمة مشاش المنكب والعضد، حسنة المعصم، لطيفة الكف، سبطة البنان، ضامرة البطن, خميصة الخصر غرثى الوشاح، رداح الاقبال رابية الكفل، لفاء الفخذين، ريا الروادف، ضخمة المكمأتين، مفعمة الساق، مشبعة الخلخال، لطيفة الكعب والقدمن قطوف المشي، مكسال الضحى، بضة المتجرد، سموعا للسيد، ليست بخنساء ولا سفعاء، رقيقة الأنف، عزيزة النفس، لم تغذ في بؤس، حيية رزينة، حليمة ركينة، كريمة الخال, تقتصر على نسب أبيها دون فصيلتها وتستغني عن فصيلتها دون جماع قبيلتها، قد أحكمتها الأمور في الأدب، فرأيها رأي أهل الشرف، وعملها عمل أهل الحاجة، صناع الكفين، قطيع اللسان، رهوة الصوت ساكنتة، تزين الولي، وتشين العدو إن أردتها اشتهت، وإن تركتها انتهت، تحملق عيناها، تحمر وجنتاها، وتذبذب شفتاها، وتبادرك الوثبة إذا قمت، ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست.
وأرسل عمرو بن حجر جارية لتخطب له أخرى فوصفتها له فقالت:
رأيت جبهة كالمرآة صقيلة - المجلوة - يزينها شعر حالك كأذناب الخيول المضفورة، إن أرسلته خلته السلاسل، وإن مشطته قلت عناقيد كرم جلاها وابل. ومع ذلك حاجبان كأنما خطا بقلم، أو سودا بحمم، قد تقوسا على مثل عين الظبية العبهرة، التي لم يرعها قانص ولم يرعبها قسورة بينهما أنف كحد السيف المصقول، لم يخنس به قصر ولم يمض به طول، حفت به وجنتان كالأرجوان، في بياض محض كالجمان شق فيه فم كالخاتم، لذيذ المبتسم فيه ثنايا غر، ذوات أشر، وأسنان تبدو كالبدر، وريق كالخمر له نشر الروض بالسحر يتقلب فيه لسان ذو فصاحة وبيان يبين به عقل وافر وجواب حاضر، تلتقي دونه شفتان حمراوان كالورد يجلبن ريقا كالشهد، تحت ذاك عنق كإبريق الفضة ركب في صدر كصدر تمثال دمية، يتصل به عضدان ممتلئان لحماً، مكتنزان شحماً، وذراعان ليس فيهما عظم يجس، ولا عرق يحس، ركبت فيهما كفان لين قصبهما، رقيق عصبهما، وقد تربع في صدرها حقان كأنهما رمانتان تخرقان عليها ثيابها، من تحت ذلك بطن طوي كطي القباطي المدمجة، كسي عكنا كالقراطيس المدمجة، تحيط تلك العكن سرة كمدهن العاج المجلو، خلف ذلك ظهر كالجدول ينتهي إلى خصر لولا رحمة الله لا نحزل، تحته كفل يقعدها إذا نهضت وينهضها إذا قعدت كأنه دعص رمل، لبده سقوط الطل، تحمله فخذان لفاوان كأنهما نضيد الجمان، تحملهما ساقان خدلجتان كالبردي، يحمل ذلك قدمان كحذو اللسان تبارك الله مع صغرهما كيف تطيقان حمل ما فوقهما، فأما سوى ذلك فقد تركت أن أصفه غير أنه أحسن ما وصفه واصف بنظم أو نثر.