موافقة السودان على تشكيل محاكم خاصة حول دارفور لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان بالتعاون مع الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية يُعدُّ خطوة في الطريق الصحيح من أجل وضع المخرز بعين كل المتآمرين على استقرار السودان وأمنه واللاهثين خلف شهوات الابتزاز السياسي وتجنيد أدوات الضغط الدولي على الدول من أجل البحث عن مواطئ أقدام بها سواء كان ذلك على المستوى التكتيكي أو المستوى الإستراتيجي. كما أن لهذه المبادرة صنفين من الإيجابية للحق العربي والأمن العربي، ولكن ذلك مقترن بارتباطات وشروط، فالجامعة العربية ومع المجهود الجبار الذي يبذله أمينها العام من خلال زياراته المارثونية وتحركاته بين بؤر التوتر العربي تساهم في تعريب الحلول في قضايا العرب وإبعادها عن شفير التدخلات الدولية، وهو ما يتطلب أن تعطي الجامعة العربية مزيداً من الدعم لجهودها وجهود أمانتها النيرة بالإضافة إلى إبعادها عن أي مزايدات أو مهاترات عربية عربية. وفي الشق الآخر فإن التعاون مع الأمم المتحدة في هذا الشأن يعد أمراً إيجابياً ولكن شريطة أن يرتبط ذلك أيضاً بحماية فحوى وسير المحاكمات من أي تدخلات خارجية أو داخلية لتأخذ الهيئة الأممية حيزها الطبيعي بمعزل عن أساليب تسييس المحاكمات أو توظيفها لخدمة أجندات السياسة الخارجية سواء كان لواشنطن أو غيرها.
لا يخفى على أحد أن المفاهيم العولمية لحقوق الإنسان وبالرغم مما تحتوية من نبل ظاهري وبريق إعلامي معتمد على (ميديا) دعائية مسيسة قد أضحت بمثابة حصان طروادة الذي يشد السرج على ظهره من أجل الولوج إلى فضاءات الشئون الداخلية للدول العربية، وهو ما يحتم بذل المزيد من الجهد لأجل قطع الطرق على تلك المخططات سواء كان ذلك من خلال فتح مزيد من قنوات الاتصال بين الجانب الرسمي وفئات الشعب المختلفة أو من خلال تقوية الجبهة الداخلية للكيانات العربية وتوحيدها في وجهة تلك التدخلات والذرائع, فالسودان لن يكون الأخير في قائمة تلك القناعات وسوف تزداد وتيرة تلك الذرائع وتمتد خرائطها، ليتجاوز الوضع محاولات إخراج كل دولة على حدة من عنق الزجاجة وتجميع الجهود بشكل مفاجئ للمنافحة عنها.