في دورة تدريبية حضرتها، أخبرنا المحاضر عن بطل قصتنا ماهر بن كسول الوحيدي - ولاسمه المختار بعناية بالغة مدلول عميق - فقد كان موضوع الدورة وهدفها تنمية العمل الجماعي مع التأكيد على القيام بالأفعال الحقيقية التي تخدم التوجه العام، وتبيان أن المهارة وحدها إن لم يصاحبها عمل حقيقي - أي عمل صادق - لن تؤدي للنتائج التي ستتحقق بمهارات أقل ولكن بصدق في تنفيذها، وأن التراخي والكسل هما أهم معوقات إنجاز ما يتطلب إنجازه.
المهم ماهر بطل قصتنا يسكن في الدور العشرين في عمارة ضخمة تعج بساكنيها، اكتشف في أحد الأيام وجود فأر كبير في شقته، تسبب في إحداث أضراراً كثيرة كان لا يعرف مصدرها فقرر التخلص منه، ولأنه كسول فكر فيما يترتب على ذلك، إذ يتوجب عليه لبس ملابسه والخروج من الشقة ثم انتظار المصعد وربما الوقوف لبعض الوقت للحديث مع هذا الجار أو ذاك ثم الضغط على زر الصالة الرئيسة للعمارة في المصعد والتوجه إلى المركز التجاري والبحث عن مكان عرض الأجبان ثم شراء جبن قد يكلفه الكثير والوقوف في صفوف طويلة أمام الموظف لتسديد قيمة ما اشتراه من الجبن والعودة ثانية إلى العمارة والمصعد وما مر به. عوضاً عن هذا الجهد الكبير قاده تفكيره إلى استغلال مهارته ورسم صورة لقطعة جبن شهية لمخادعة الفأر، فالفأر مهما كبر حجمه ما هو إلا قارض لا يفهم، هكذا قرر فأحضر أدوات الرسم وورقة وبدأ يرسم قطعة جبن شهية، ولأنه ماهر بالفعل فقط استطاع رسم صورة لقطعة جبن لا يمكن التفريق بينها وبين قطعة الجبن الحقيقية، نظر لساعته فإذا بالوقت قد قارب الثانية صباحاً وهو قد بدأ بخطة الإمساك بالفأر حوالي الساعة الثامنة مساء، لكنه برر لنفسه أن إتقان الشيء لابد وأن يستغرق وقته، وضع ما رسمه في مصيدة الفئران ثم ذهب لينام.. في الصباح وقبل أي شيء، ذهب ليطمئن على نتيجة ما فعل، ولمح بالفعل شيئاً داخل مصيدة الفئران، ففرح واقترب مسرعاً ليتأكد أنه اصطاد الفأر اللعين أخيراً، لكنه عند اقترابه من المصدية لم يجد الفأر بل وجد صورة الفأر وقد كتب عليها.. كل فعل يرد بجنسه.. ما أتمناه ممن قرأ مشكوراً ما كتبت أن يهتم بالمعنى المقصود ويراجع أفعاله ونتائجها، ليقيس حجم الحقيقة فيها.. والله المستعان.