Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/07/2008 G Issue 13083
الخميس 21 رجب 1429   العدد  13083
إنجاز مهم في مجال القضاء على الغلو والتطرف
عبدالله بن راشد السنيدي

يعتبر البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية مؤخراً حول الكشف عن عدد من خلايا الغلو والتطرف وما تخبئه لهذا الوطن وأهله من سوء إنجازاً مهماً في مجال مكافحة الغلو والتطرف والإرهاب والشكر موصول لرجال الأمن الأبطال على هذا الإنجاز البطولي..

.. والذي جاء تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو وزير الداخلية وفقهم الله.

إن تلك الأفكار من أصحاب الغلو والتطرف التي تدعو إلى العزلة وعدم التعايش مع العالم المعاصر بعيدة عن سماحة ديننا ومجتمعنا وعاداته وتقاليده، فسيدنا عليه الصلاة والسلام يقول (بعثت بالحنيفية السمحة).

ذلك أنه لأمر مستغرب أن تستهدف بلادنا بمثل تلك العمليات الانتحارية بسبب الفهم الخاطئ لدين الإسلام الحنيف والذي أدى هذا الفهم إلى تبني أفكار غير واقعية أو منطقية كالمطالبة بمقاطعة دول الغرب وترحيل مواطنيها من بلادنا فضلاً عن كون هذه الأفكار تتعارض مع الدين الحنيف الذي يحث على التسامح والرحمة والرقة ذلك أن ديننا الحنيف هو دين كل زمان ومكان كما أنه يحث على احترام الإنسانية ودعوتها إلى الدين الخاتم باليسر والحسنى { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فالإسلام لم يخصص لفئة دون فئة أخرى ولا لأمة دون أمة أخرى بل إنه قد جاء للجميع {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }، إنه الدين الذي لم يحظر التعاون مع غير المنكرين لديننا أو رسولنا صلى الله عليه وسلم أو ممن يعتدون ويهضمون حقوقنا خاصة مع ضعف العرب والمسلمين في العصر الحاضر وحاجتهم إلى غيرهم ممن بلغوا شأناً في المدنية والتقدم فمثلاً: تعتبر بلادنا أكبر دول العالم في احتياطي البترول تلك المادة الحيوية التي لا تستغني عنها دول العالم كبيرها وصغيرها، كما أن بلادنا تعتبر أكبر منتج لهذه المادة المهمة ولم يكن لدينا في السابق الخبرة الكافية لاكتشاف هذه المادة في عمق الأرض، ولقد سخر الله لنا أولئك الذين ساعدونا وهم من غير المسلمين في اكتشاف هذه المادة وتصديرها بل واستهلاكها بما لديهم من مصانع وشركات كبيرة واقتصاد متقدم، أفلا يعتبر التعاون مع هؤلاء فيما يتعلق بهذه المادة التي تعتبر الممول الرئيسي لاقتصادنا مصلحة لنا؟ ومثل آخر أن الله عز وجل أمرنا في كتابه الكريم بإعداد القوة والاستعداد في المجال العسكري وإعداد القوة يختلف من عصر لعصر آخر، فإذا كانت القوة وقت ظهور الإسلام هي السيف والخيل والسهام وكثرة المقاتلين فإن القوة في عصرنا هي الصاروخ والطائرة ووسائل الدفاع الجوي والبحري ولأن المسلمين مع الأسف متأخرون في هذه المجالات فما هو الإشكال في أن يتم التعاون مع غير المسلمين الذين بلغوا أوجاً من التقدم في مجال التقنية العسكرية والاستفادة منهم لتطوير قواتنا المسلحة لكي نكون وفقاً للأمر الإلهي مستعدين للدفاع عن ديننا وبلادنا؟ أفليس التعاون مع هؤلاء في هذا المجال يعتبر مصلحة لنا؟.

إذاً ما دام الأمر كذلك فلماذا استهدفت بلادنا بتلك العمليات اللاإنسانية؟ أليست بلادنا مهبط الوحي وقبلة المسلمين؟ أليست توجد بها المشاعر المقدسة التي يؤمها المسلمون يومياً للعمرة وسنوياً للحج؟ أليس يوجد بها مثوى سيد الأولين والآخرين وخلفائه الراشدين الكرام ومثوى أمهاتنا خديجة وعائشة وفاطمة وحفصة وغيرهن رضي الله عنهن؟ أليست بلادنا هي الدولة الأولى في العالم التي تطبق كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في الأحكام والمعاملات والأحوال الشخصية؟ أليست المملكة الدولة الوحيدة التي يوجد بها وزارة لشؤون الدعوة الإسلامية والتي قامت بإنشاء مكاتب للدعوة في مختلف أنحاء المعمورة للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة كما أنها الدولة الوحيدة التي يوجد بها وزارة للحج من أجل التخصص في العمل والتيسير على المسلمين في أداء شعيرة الحج المباركة، إضافة لذلك ألم تقم بلادنا بإنشاء المساجد والمراكز الإسلامية في الكثير من دول العالم، كما قامت بمد يد المساعدة والعون للأقليات الإسلامية المحتاجة، فهل تغيرت تلك السياسات ذات الطابع الإسلامي والإنساني؟ بالطبع لم يتغير شيء من ذلك. إذاً هل مفهومنا للإسلام طوال السنين الماضية لم يكن المفهوم الصحيح فيكون استهداف المملكة بهذه الأعمال الإرهابية من أجل تصحيح ذلك المفهوم؟ والإجابة أن مفهوم بلادنا الإسلامي هو المفهوم السلفي الوسطي المعتدل الذي لم يتغير منذ تأسيس الدولة، أما إذا كان المقصود من تلك الأحداث التي تمت هم الرعايا الغربيون العاملون في المملكة، فإنه إضافة إلى ما سبق أن ذكرنا بأن هؤلاء قدموا لبلادنا متعاونين في مجال التحديث والتطوير، فإنهم أيضاً مراعون لعاداتنا وتقاليدنا فكل اهتمامهم مركز على أعمالهم، إلا إذا كان استهدافهم يقصد منه زعزعة الاستقرار والأمن في المملكة، أو يكون الهدف تأليب دول هؤلاء للقيام بمزيد من الضغوط أو الإضرار لا سمح الله ببلادنا وهما أمران مرفوضان ولا يخدمان المصلحة العامة أو الإسلام في شيء، فالأمن والاستقرار نعمة كبرى لا تقدر بثمن وعلينا أن نعتبر بما حصل في العراق الذي كان ينعم بالاستقرار والأمن رغم جور الحاكم إلا أنه بعد سقوط نظام الحكم تغير الوضع الحالي من أمن إلى خوف ومن نظام إلى فوضى وسلب ونهب وقتل، فقد ورد في السنة الشريفة (العيش في ظل إمام ولو كان جائراً ستين سنة أفضل من البقاء ليلة واحدة بدون إمام) مع أن الظلم والحمد لله مستبعد في حالتنا.

إن المسلمين اليوم في حالة ضعف عام وتأخر عن ركب الحضارة المعاصرة وإن الواجب عليهم التعايش مع الآخرين بما لا يسيء إلى تعاليم دينهم مع العمل الجاد في سبيل الاستفادة مما وصل إليه العالم المتحضر من تقدم وتقنية وفي نفس الوقت القيام بالدعوة لدين الإسلام العظيم باللين والشفافية والأسوة الحسنة وليس بارتكاب مثل تلك العمليات تحت سر الظلام والتي لن تحقق تقدماً يذكر للمسلمين بل العكس أنها تشوه ديننا أمام الآخرين وتجعلنا أمامهم وحشيين لا إنسانين.

يتسم الإسلام بأنه دين سماحة وسلام واستقرار ورحمة وإنسانية وأن أسلوب الدعوة إليه ينبغي أن يكون بالحسنى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وليسر بالقوة والإكراه {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كلف من ربه بحمل الأمانة ظل يدعو بني قومه رغم تشددهم ضده بأسلوب اللين والحسنى بل إنه تحمل الأذى منهم ولم يقابله بمثله إلى أن هداهم الله للحق.

وما يقوم بعض الشباب المغرر بهم من عمليات الإرهاب والقتل والدمار والترويع في مجمعات سكنية وأماكن عامة يدعوي أن ذلك جهاداً ودعوة للإسلام لكون تلك المجمعات والأماكن يوجد بها جنسيات غير مسلمة ليست من الإسلام في شيء وتتناقض مع أهداف الإسلام ورسالته الخالدة فغير المسلمين هؤلاء يعتبرون أهل ذمة ومعاهدين قدموا مثلاً: للمملكة العربية السعودية التي وقعت فيها بعض العمليات الإرهابية إما بطلب من الحكومة أو بطلب من رجال الأعمال للمساهمة بخبراتهم في التنمية الوطنية والإسلام يحث على احترام المعاهدين وسلامة حياتهم (من قتل معاهداً فأنا حجيجة يوم القيامة) وفضلاً عن ذلك فإن هذه التصرفات تسيء للإسلام والمسلمين أمام العالم حيث تعطيهم الانطباع بأن دين الإسلام يدعو للقتل والتدمير وربما يؤدي ذلك إلى الإحجام عن الدخول في هذا الدين أو ارتداد بعض معتنقيه في حين أن العكس هو الصحيح وهو أن الإسلام دين رحمة وسلام وإنسانية كما أن هذه الأحداث تؤدي إلى قتل أو إيذاء أناس أبرياء بل مسلمون وعرب منهم الأطفال والنساء وكبار السن كما تؤدي إلى تشويه سمعة بلادهم وشعور الغير بأنها بلاد غير آمنة وغير مستقرة.

إن مكافحة الإرهاب واحتواء نشء الأمة وإبعادهم عن التطرف والغلو تتطلب العديد من الجهود المشتركة.

ففي المجال التعليمي يجب ما يلي:

- إعداد مناهج الثقافة الإسلامية على أساس سماحة الدين ومرونته وصلاحيته لكل زمان ومكان وأنه لا يقوم على أساس الإكراه بل بالحكمة والحسنى وأن هذه الديمومة للدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تتطلب توافق الدين مع متطلبات كل عصر فيما لا يتعارض مع القواعد الأساسية في الشريعة الإسلامية فالإسلام لا يناقض العلم أو المدنية أو التحضر بدليل أنه لم يورد سوى القواعد الأساسية والجزئيات الخاصة بالعصر الذي وجد فيه تاركاً الجزئيات الخاصة بالعصور اللاحقة لأهلها بحيث توضع بما لا يعارض أسس الشريعة الإسلامية وقواعدها الثابتة، وبما يتناسب مع ظروف عصرهم الذي يعيشون فيه، فالإسلام دين كل زمان ومكان.

- أن يكون هناك دقة في اختيار القائمين على العملية التربوية بحيث تكون أفكارهم بعيدة عن التطرف والغلو وأن يغرسوا في عقول النشء روحانية الإسلام وسماحته.

في المجال الاجتماعي:

ينبغي أن تقف المجتمعات ضد التطرف والغلو وإنكارها من أي كان، وأن على كل أسرة متابعة أحوال أبنائها حتى لا ينجرفوا في هذا الميدان وإذا حصل وحدث شيء من ذلك فعلى الأسرة معاجته والتصدي له وعدم تركه حتى ولو أدى ذلك إلى الاستعانة بالآخرين في هذه المعالجة سواء من الدعاة المعتدلين أو الإدارات الحكومية المعنية بذلك كما أن على المجتمع التعاون مع الأجهزة الحكومية المعنية في معالجة هذه الظاهرة والعمل على اختفائها.

في المجال الدولي:

ينبغي أن تتعاون الدول في سبيل مكافحة التطرف والغلو اللذين يؤديان للإرهاب حتى ولو كانت بعض هذه الدول خالية من ذلك فقد تدور دائرة الزمن وتصاب بداء التطرف والإرهاب لا سمح الله، وتعاون الدول في هذا المجال يتم بعدة طرق ومن ذلك عدم إيواء المتطرفين أو التعاون معهم.

فاكس (4032285)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد