ظل السلام عالمياً وما يفضي إليه من خير وحب ووئام بين الإنسان وأخيه الإنسان ضمن أولويات سياسة الملك عبد الله بن عبد العزيز وشغله الشاغل، يدعمه ويناصره ويبذل الجهد الكبير في سبيل تحقيقه، دون يأس منه أو شعور بالإحباط، ودون أن تفتر له عزيمة أو يلين له جانب في هذا الميدان، ما لا أجد زعيماً غيره اليوم يملك كل هذه الإرادة والرغبة والتصميم لتحقيق هذا الهدف الأسمى الذي غيبته ثقافة الحقد والكراهية والبغضاء التي سادت دول العالم وانتشرت بين شعوبها وأممها، وأصبحت ضمن أيدلوجياتها وأجندة مؤسساتها وسياسات قادتها.
***
ولعل أبلغ ما يمكن أن يقال عن هذا الجهد الخلاق لعبد الله بن عبد العزيز ضمن خطوات كثيرة قام بها، دعوته أتباع الديانات إلى عقد جلسات حوار لأول مرة في التاريخ برعاية كريمة منه ودعم سخي غير محدود من المملكة، بهدف إيجاد قواسم مشتركة من التفاهم والتعاون فيما بينهم، وإرساء أسس قوية لبناء أوثق العلاقات المميزة بين مختلف الديانات، وهو ما تحقق حين عقد مؤتمر الحوار العالمي في مدريد، وقام بافتتاحه وإلقاء كلمته التاريخية أمام ذلك الحشد الكبير من أتباع الديانات الذين استجابوا للدعوة فحضروا وشاركوا في المناقشات، فضلاً عن النتائج والتوصيات التي توصل المجتمعون إليها، وقد ركزت في مجملها على التسامح ونبذ الفرقة دون أن يساء إلى أي دين من الديانات أو أن تمس عقيدة من عقائد الناس.
***
ومثل هذا الإنجاز الكبير، سبقته إنجازات كثيرة تعطي المنصفين الحق بأن يبادروا بترشيح خادم الحرمين الشريفين لنيل جائزة نوبل عن الحقل الأهم من حقول هذه الجائزة وهو حقل السلام، التي جاءت مبادرات الملك عبد الله لترسيخه في عقول الناس، كمن قصد أن يفتح الطريق نحو توفير مناخ مناسب للعلماء والمفكرين للحصول على جوائزهم عبر السلام في الحقول الأخرى وهي: الفيزياء، والكيمياء، والآداب، والاقتصاد، وعلم دراسة الأعضاء أو الطب، طالما تمكن العالم من أن يستظل بظلال من التعايش بين دياناتهم وأن يعيشوا معاً في واحة من واحات السلام والأمان.
***
ربما لا يسعف الوقت المسؤولين عن الجائزة ليكون عبد الله بن عبد العزيز الفائز بها هذا العام، إذ إن الفترة المتبقية قبل الإعلان عن الأسماء الفائزة، ثم الحفل الذي يقام عادة في اليوم العاشر من شهر ديسمبر من كل عام لا تكفي في ظل معرفتنا بالترتيبات التي تسبق عادة استقبال الترشيحات ثم اختيار الفائزين بها من بين المرشحين، ولكننا أردنا أن نذّكر من الآن بأهمية أن يتم تكريم الرموز الذين يسعون إلى إحلال السلام في العالم والذي لن يتحقق ما لم تتعايش الديانات فيما بينها ضمن الإطار الذي حدده خادم الحرمين الشريفين في كلمته التاريخية في المؤتمر.
***
وإذا كان الأب الروحي لجائزة نوبل الصناعي السويدي ومخترع الديناميت الفريد نوبل قد أوصى بكل ثروته التي حققها من هذا الاختراع المدمر لصالح جائزة تكون باسمه، فمن المؤكد أن ما سعى إليه كان استجابة ليقظة الضمير بعد أن كان إحدى ضحايا هذا الاختراع اللعين وفاة شقيقه في انفجار عاش مرارته إلى أن مات، ومن هنا يكون البحث عن السلام أحد أهداف هذه الجائزة، وبخاصة بعد أن عانى صاحبها ما عاناه من ألم بوفاة شقيقه بسبب اختراعه، ويكون عندئذ تكريم من يضع يده على هذا الجرح بإنجازات مثلما فعل الملك عبد الله يجعله الأحق بالتكريم والأجدر بالاحتفاء والمؤهل للفوز بجائزة السلام دون منافس.
(وغداً نواصل)