لطالما ترددت عن الكتابة في هذا الموضوع لكثرة من كتب فيه إلا أنني قررت في نهاية الأمر أن أكتب على اعتبار أن الوعي تجاه أي موضوع يتشكل ويترسخ بالتكرار عبر خط الزمن، ولأنني لم ألحظ لغاية الآن نقلة نوعية في الوعي حيال الوقت كعنصر حاسم في حياة الأفراد والمنشآت والدول بل والعالم أجمع.
المجتمعات الصناعية أدركت أهمية الوقت كبعد هام في تحديد الكفاءة الإنتاجية فأصبحت المهام والأهداف تكتب بصيغة وصفية كمية في وقت محدد، وأي انحراف في تحقيق الأهداف في الوقت المحدد تتخذ بشأنه إجراءات صارمة لمعالجته، بعضها تصحيحي وبعضها الآخر عقابي، كما يكافأ من ينجز قبل الوقت المستهدف تشجيعاً له ولزملائه لرفع كفاءتهم الإنتاجية، وكل ذلك شكل ورسخ وعي تلك المجتمعات حيال الوقت حتى وصلوا للحقيقة القائلة (الأسرع يأكل الأبطأ) في إشارة منهم إلى أهمية الوقت كعنصر حاسم في التنافسية وبالتالي الاستمرارية والنمو.
مجتمعنا السعودي مجتمع استهلاكي إن جاز التعبير فهو يستهلك أكثر مما ينتج إذا استبعدنا إنتاج الموارد الطبيعية، ويطغى في الجانب الإنتاجي منه قطاع الخدمات على قطاع السلع الصناعية والزراعية، وقطاع الخدمات قطاع لا يحترم الوقت كما يحترمه القطاع الصناعي والزراعي اللذان يتأثران بشكل جذري بعنصر الوقت، ولكم أن تتصوروا مزارع تأخر عن تلقيح النخيل في وقت التلقيح ماذا سيجني من مزرعته، وتصوروا مصنعاً تأخر عن توريد المواد الأولية لمصنعه ماذا سينتج ويبيع، أما إن تأخرت قضية في محكمة لأسبوع فلا بأس فيمكن النظر بها في الاسبوع القادم أو لنقل السنة القادمة كما هو الوضع القائم حاليا.
المخزون الثقافي للأمة الإسلامية يقول بأهمية الوقت بل أنه يربط العبادات بأوقات محددة لا يمكن القيام بها في غير هذه الأوقات مثل الصلاة والصيام والحج والزكاة، ورغم ذلك المخزون الثقافي الهائل إلا أنه وللاسف الشديد حتى في المؤسسات التي تستند إلى هذا المخزون في عملها كما هو في السلك القضائي فإن الوقت مفتوح إلى ما لا نهاية حتى أصبح المظلوم يتنازل عن مظلمته لأن المشقة التي سيعاني منها عند الشكوى ونتيجة متابعة القضية التي تستمر لسنوات حتى يحصل على حكم وسنوات أخرى حتى يتم التنفيذ، أقول لأن تلك المشقة أشد على نفسه مما ضاع له من حقوق على يد ظالم يعلم أن الليل طويل أمام المظلوم ليحصل على حقه، والأمثلة كثيرة ولا حصر لها والدراسات أثبتت أسباب ذلك.
مخزوننا الثقافي يقول: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ويقول الوقت هو الحياة، والمخزون الاقتصادي يقول الوقت هو المال، وثقافتنا القائمة والممارسة حاليا تقول الوقت هو الوقت، فمتى يكون الوقت عنصراً حاسماً في حساباتنا؟ ومن يعيد للوقت أهميته؟ أسأل الله أن تشكل الأوضاع الاقتصادية القائمة والقادمة أهمية الوقت في وعينا، كما أسأل الله أن يجعل القائمين على الأجهزة الحكومية والمنشآت الخاصة أكثر اهتماماً بالوقت وأكثر سعياً لترسيخ مفهومه وأهميته في أذهان العاملين لديهم.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7842» ثم أرسلها إلى الكود 82244
alakil@hotmail.com