يظهر أنّ المجتمع الدولي يتجه إلى ملاحقة مجرمي الحرب والأشخاص الذين يشجعون ويقْدمون على ارتكاب جرائم ضد البشرية سواء في الحروب الأهلية أو ضد الشعوب التي تتعرض للاحتلال والقهر القسري من قبل جنود وقوات المحتلين.
وملاحقة المجرمين والمتهمين بارتكاب جرائم ضد البشرية، لا تسقط بالتقادم، فقد تمكّنت الأجهزة الدولية من إقناع الحكومة الصربية من التعاون معها، والقبض على السفّاح الصربي الشهير رادوفان كرادجيتش المسؤول عن أكثر الجرائم إبادة للبشر، حينما أشرف وقاد العديد من الجرائم والقتل ضد المسلمين في البوسنة والهرسك، ومن أكثرها بشاعة مجزرة سربرينتشا شرق البوسنة، حيث قُتل أكثر من ثمانية آلاف إنسان مسلم في تموز - يوليو من عام 1995م، تلك المجزرة التي ارتكبها الصِّرب تحت قيادة السفّاح كرادجيتش الذي يُعد المسؤول عن العديد من المجازر المشابهة التي ارتكبها الصِّرب ضد المسلمين في دولة يوغسلافيا السابقة.. وقد وجهت له محكمة الجزاء الدولية تُهماً عدة منذ عام 1995م، وظلّ هارباً منذ ذلك الوقت حتى قبضت عليه السلطات الصربية، وسوف تسلمه إلى محكمة الجزاء الدولية في لاهاي لمحاكمته ضمن صفقة عقدتها حكومة الصِّرب في بلغراد تهيئ الطريق لانضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي.
إذن بعد 13 عاماً من الهروب وقع واحد من أكبر مجرمي الحرب في العصر الحديث، وهذا ما شجع محاكم أوروبية أخرى لمتابعة مجرمين دوليين آخرين.. فقد تلقّت أمس وزارتا الخارجية والقضاء الإسرائيليتان تقريراً صادراً عن محكمة إسبانية يقضي باعتقال شخصيات أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى بتهمة ارتكاب جرائم في قطاع غزة.
وجاء إصدار محكمة إسبانية أوامر اعتقال ضد شخصيات أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى بتهمة ارتكاب جرائم حرب بعد أن أصدرت عام 2003 أوامرها للطيران الإسرائيلي بقصف منزل (صلاح شحادة) القائد العام لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ما أدى إلى مقتل زوجته وابنته و15 شخصاً من أطفال ونساء الجيران في حيّ الدرج بمدينة غزة، وتبيّن أن الضحايا ليس لهم علاقة بصلاح شحادة ونشاطه.
وصدرت أوامر الاعتقال بحق (بنيامين بن اليعازر) الذي شغل آنذاك منصب وزير الجيش، و(افي ديختر) الذي تولى مسؤولية جهاز الشاباك، و(دان حالوتس) الذي كان وقت عملية القصف قائداً لسلاح الجوّ الإسرائيلي، ورئيس الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي (بوغي يعلون) وقائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي (دورون الموغ) ورئيس مجلس الأمن القومي في ذلك الوقت (غيورا ايلند) و(ميكي هرتسوغ) المستشار العسكري لوزير الجيش في ذلك الوقت.
ويقضي أمر الاعتقال ضمن ما يعنيه اعتقال أيّ شخص ممن وردت أسماؤهم فور دخوله الأراضي الإسبانية وليس من المؤكد أن تحمي الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها بعض المتهمين المعنيين بالأمر كون الجرائم المنسوبة إليهم تقع ضمن جرائم الحرب.
طلب المحكمة الإسبانية يضيق الحصار على مرتكبي جرائم الإبادة البشرية سواء من الإسرائيليين أو غيرهم ولابدّ أن يقلّص من هذه الأعمال المنافية للإنسانية.
jaser@al-jazirah.com.sa