يروي أن الفاروق رضي الله عنه، وبعد فترة من عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه من قيادة الجيش أدار حواراً معه حول الأسباب التي أدت إلى عزله وذلك في المسجد بحضور المصلين،
وبالحوار يتوارى الرأي المستبد أو ينهزم؛ فهو لغة العقل السوي وإن أخذ بنا الحذر حول موضوعه فقد نتوقع أنه محل خلافٍ أو اختلاف أو أنه شائك ومتداخل، ولحل أيّ إشكال، كما أنه وسيلة للتوفيق بين المتباين من وجهات النظر وكذلك المصالح المختلف عليها.
فوسيلة إحقاق الحق بلغة القانون حوارٌ يبدأ بكلمة، وهو الممكن بين الطبيب والمريض حول حالته قبل صرف الدواء له، وكذلك التحصيل في مجال التعليم حيث أطرافه ثلاثة المعلم والطالب والمادة التي تُدرّس؛ فبالحوار يتمكن المعلم من إيصال المعلومة وبه يفهم الطالب، فلا سبيل لتفاهم بلا حوار ولا يمكن تحقيق بعض الأهداف بدونه، إنه كلمة العقل المنفتح والمتفتح يُجسّدُ أسلوباً حضارياً فيما اختلف عليه البشر، وبه ومن خلاله تتحقق نقطة التقاء مهما تباينت الآراء أو تداخلت، وبالحوار نصلُ إلى كلمةٍ سواء وفق القواسم المشتركة.
والحوار الدائر في مؤتمر مدريد صواب في منطلقه وأهدافه ومن حوله تعددت الرؤى، واجتهاد من رأي أن لا جدوى من حوار يفتقر إلى تكافؤ بين الأطراف وربما تباينت الغايات بأثرها السياسي والأيدولوجي وآخرون باعتقاد أنه أجدى من القطيعة وأن المواجهة إن لم تحقق إيجاباً فقد تمهد له.. ومهما كان الأمر فالمبادرة تدفع بها الحكمة وصواب الاجتهاد.
ومما لا شك فيه أن للمؤتمر ورقة عمل يتم اعتمادها فلا أحد بقادر على حذف أو زيادة أو مجرد اقتراح، وكما قيل إن شرطاً في الحقل خير من اختلاف على البندر، فالمحصلة ستكون موفقة متى اتفق الحوار على القواسم المشتركة بعيداً عن كل وسيلة تنال منه أو تأخذ بالأهداف بعيداً عن النتائج الممكن نجاح مساعي الحوار حولها بلا نوايا مبيتة أو دسائس ومآرب من الشر وإليه.
ولعلّ في مرجعية الإنسان وهي إنسانيته ما يبرر مد الجسور بجهد الحسن من نية الخير نحو أمن وسلام الإنسان أينما كان ولأي جنس ينتمي، وكفى الرابط الإنساني مسير لغاية الخير واستقرار البشرية وإن كان بالحد الأدنى.
والحوار ليس فرصة للقاء عابر بل إنه لقاء يرقب الجميع أهدافه ونتائجه وتميز عقله بما تفرضه من حكمة وانحياز للخير العام بعائده الإنساني، فهو جامع لأطياف وأجناس وديانات- فالحوار لابد أن يشمل من الوسائل ما يعبر بها الجسور أو الحواجز لا سيما أن الجامع لهم رابط الإنسانية، وهي الأصل الذي يبرر اللقاء حيث القطيعة لن تكون المنحى الأصلح، والتركيز على ما هو مصلحة مشتركة الأنفع ولا سيما أن المبادرة تعبير منطلقه جوهر ما نعتز به ونؤسس عليه، وما أسسنا به من أمجاد تشهد لها حضارة حقيقية وليس طفرة مادية وأعني جوهر وروح المعتقد الديني الذي نؤمن به، وهو الذي فطر عليه بني الإنسان إذا ما كانت الحكمة مساراً لطريقه ويحرص على أن يوفق بين حياة اليوم وحياة الخلود بأسباب من رحمة الخالق عز وجل ثم جهد يبذل مساره النوايا الخيّرة والعمل الصالح، والله الموفق العالم الحكيم.