شمس.. وأتربة متحركة تزكم الأنوف..
وريح تترنح بين الضعف والشدة..
وضجيج الشوارع يملأ ضفاف المدينة..
وأطفال يلهون..
وأصوات الباعة تختلط بلا إيقاع.. ...
... ورجال لهم وجوه معجونة من كدح وتعب..
و (عرعر) هذه المدينة القابعة في أقصى الشمال..
التي هجرتها منذ القدم..
وغبت عنها طويلاً..
وعدت إليها في زيارة عابرة..
عندها لمحت لي طيف (نازك الملائكة) وهي تقول:
(كم في سكون الليل تحت الظلام
رجعت للماضي وأيامه
أبحث عن حبي بين الكلام
فلم تصدني غير آلامه)
وجدت (عرعر) مدينة أخرى..
كبرت مثل إخطبوط..
كبرت أمكنتها.. وأسواقها.. ومآذنها.. وزواياها.. وشوارعها. ..
صارت كثيفة كشجرة الصفصاف..
وناعمة كالقمر..
صار لها قامة طويلة مثل عمود الفجر..
وحضور وطعم مختلف..
وفرح طفولي عامر..
وخرز ملون يزين صدرها ومعصميها..
وسلسلة من ذهب تعانق جيدها..
جبت أزقتها وشوارعها بفرح..
ورأيت سحنات الوجوه القديمة..
ورجال يعبرون سوق (السمن) القديم يتوثبون للبيع والشراء..
قفزت للشوارع المحاذية شارعاً شارعاً..
كل شيء تغير..
الأرصفة..
أضواء النيون..
واجهات المحلات..
يافطات الدعاية والإعلان..
أسواق الأعلاف والماشية..
وأصوات الرعاة..
وحتى (جربوع) هذا الرجل العتيق بائع (القرب) والمشغولات الجلدية لبس ثوباً جديداً.. ونعلاً جديدة..
ثلاثة أيام قضيتها في هذه المدينة الجديدة..
محدقاً فيها وماثلاً أمامها..
وراكضاً في مساحاتها البرية الواسعة التي انتشرت فيها الأغنام ترعى ما تبقى من نباتات الربيع اليابسة..
وسائراً في طرقاتها المصبوغة بهندسة التخطيط الحديث..
مكتشفاً أن لمدينه (عرعر)..
لوناً جديداً..
ووجهاً جديداً..
واستفاقة جديدة..
وبرقاً جديداً..
ووجوداً جديداً..
وصوراً جديدة رائعة للحياة وللنمو..
عرعر..
هذه المدينة الحالمة..
مثل امرأة جميلة..
لها بياضها الجميل..
وخصرها الجميل..
وقامتها الجميلة..
ولها منامها الجميل..
وصحوها الجميل..
وحفلة عرسها الجميل..
وملابسها الجميلة..
وحنائها الجميلة..
عرعر..
زهرة لا تشبه كل الزهور..
وقصيدة لا تشبه كل القصائد..
ونجمة لا تشبه كل النجوم..
وخريطة حب لا تشبه كل الخرائط..
وغزالة لا تشبه كل الغزالات..
ranzi@umc.com.sa