رغم نقل مدارس البنات إلى جهة غير الرئاسة العامة لتعليم البنات وأمانة الرئاسة إلا أن السياسية الفكرية التي كانت تعمل بها المرحومة ما زالت سائدة حتى يومنا هذا. أقلها أن مدارس البنات حتى الآن تنادى بالأرقام.
الرقم هو أسوأ شيء يمكن أن تصنف به الأشياء. أكبر آفة أصابت البشرية في العصر الحديث هي تحول البشر والأماكن إلى أرقام. الرقم هو مصادرة حقك في الوجود. من أهم شروط المعتقل نبذ اسم المعتقل وإبداله برقم. شرط الرقم ضروري لا تتنازل عنه المعتقلات. لأنه يرفع الحرج. تعامل السجان مع أرقام يخفف من وطأة ضميره. إذا أردت مصادرة كيان من الكيانات عليك فقط تحويله إلى رقم. كان عملاً ذكياً من الرئاسة العامة لتعليم البنات إطلاق أرقام على مدارس البنات. لا يمكن إطلاق أسماء رجال على مدارس البنات. وأي اسم لامرأة يطلق على مدارس البنات سيتحول إلى نموذج وهذا لا يتفق مع فلسفة طمس اسم المرأة. لا يمكن وضع أسماء نساء على مدارس البنات. لأنه سيوقظ في البنات الإحساس بالكينونة. سترى الطالبة يومياً اسم امرأة مثلها عارياً على باب المدرسة.
سيوقظ في داخلها كرامة الأنوثة وإحساس الوجود. عندما ينادي البواب على الطالبة ينادي عليها باسم عائلتها لا يذكر اسمها. تحولت هذه إلى ظاهرة شاملة. لأن التعليم هو الأساس صرنا نراها في الزواجات في الملاهي والتجمعات العائلية حتى أن كثيراً من الرجال يخجل من مناداة أخته أو زوجته أو أمه في مكان عام.
أتذكر مرة في أحد الأسواق شهدت رجلاً وقع في حرج عظيم. كان السوق مزدحماً ربما بمناسبة عيد أو شيء من هذا. ابتعدت المرأة التي كانت بصحبته حوالي أربعة أمتار أو خمسة رفع رأسه حاول أن يناديها حاول لفت انتباهها. استخدم كل شيء ممكن إلا اسمها. (أقول أنت يا هيه هيه هيش انتبهي انت يا. شوفي) ذكر كل شيء ممكن إلا اسمها. شعرت بالحزن. فكرت أن أسأله لماذا لم تنادها باسمها. الاسم والوجه هما هوية الإنسان. لماذا تتجاهل اسمها وتبحث عن وسيلة تتواصل معها. لماذا تصادر حقها في الاسم. كدت أقول له: ألا يكفي أننا صادرنا وجهها حتى نصادر اسمها أيضاً.
صحيح أطلق على بعض الشوارع في المدن السعودية أسماء نساء ولكنهن نساء من الماضي لا من نساء اليوم. نساء لهن صفات دينية. كأن عصرنا هذا لم ينجب نساء يشرفن أسماء الشوارع والأحياء.
قبل عدة أيام نشرت هذه الجريدة خبر خطوبة ابن كاتبة سعودية على ابن كاتب سعودي. كلاهما من دعاة الحداثة والتطور ولاسميهما حضور في الوسط الثقافي. قرأت الخبر.
عندما جد الجد التزمنا بقانون اسم المرأة المعيب. نشر اسم الخطيب أما اسم الخطيبة فاكتفى الخبر بالمقولة المعتادة. كريمة فلان.
فاكس 472164
Yara.bakeet@gmail.com