فقدت البلاد علماً من أعلامها المخلصين العاملين، إنه محمود بن عبدالله طيبة رجل الصدق والوفاء والتفاني في العمل، إن فقد هذا الرجل خسارة لا تعوض، فسمعته الطيبة على كل لسان والثناء عليه يلهج به القاصي والداني، لقد جمع محمود طيبة الصفات التي نتمناها في المسؤول، وهي مراقبة الله سبحانه وتعالى في كل عمل يقوم به، والإخلاص للوطن والمواطن والعمل مع ولي الأمر في الطريق الذي يختاره لنهضة المجتمع والسمو به إلى أعلى، من سنة إلى أخرى. فعلى امتداد نصف قرن من العمل لم يكبُ به جواده في إدارة أو تخطيط وإنما كان يزن الأمور ويقدرها حق قدرها ويجعل المصلحة العليا نصب عينيه، لم يلتفت إلى مصلحة خاصة، ولم يطمع في وجاهة من خلال منصبه، إنه العامل الذي يقود البلاد إلى بر النجاة. لقد فاجأنا الموت وهو الخصم الغالب، فنتمنى للفقيد الجنة وأن يبدله الله داراً خيراً من داره.
لقد دلف محمود طيبة إلى هذه الدنيا بعد أن ثبت الأمن في المملكة العربية السعودية، فقد ولد في السنة التالية لموقعة السبلة، وهي آخر المعارك الكبيرة التي خاضعها موحد البلاد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -، فنشأ في أمن ودرس كغيره من أبناء المملكة العربية، ولكن محمود طيبة لم يكن كأقرانه في الدراسة فقد تميز عنهم بالذكاء والمثابرة وحب العلم حتى تقدم على أقرانه طيلة دراسته، وعندما يحتل المراكز المتقدمة لم يصبه الغرور، وإنما يكون ذلك دافعاً له للمحافظة على المركز الأول الذي حققه في أكثر أيام دراسته في التعليم العام. وعندما انتقل إلى مصر للدراسة لم تجرفه المغريات، فالوضع الاجتماعي في مصر في ذلك الزمن يختلف كثيراً عن الوضع في المملكة العربية السعودية، بل كان طالب علم مثالي يتابع تعليمه بإخلاص حتى نال شهادة الهندسة، وقد تابع تعليمه في الولايات المتحدة حتى نال شهادة الهندسة من أمريكا هذا هو محمود طيبة في أيام دراسته، وعندما انتقل من الدراسة إلى العمل كان مثالاً للعامل المخلص، لقد عمل في مرافق كثيرة تميز عمله فيها بالنزاهة والإخلاص، ومن تلك المرافق شركة أرامكو، ووزارة التجارة والصناعة، وقد شهدت فترة عمله في تلك الوزارة تطورات وتحولات في مجرى الصناعة، حيث إنشاء المصانع في المناطق الصناعية الجديدة وقد أدى عمله على خير وجه فلم يلتفت إلى المنافع الدينوية وإنما كان همه تقدم البلاد وإرساء قواعد الصناعة، وقد أثمر عمله ثمرة نشهدها في يومنا هذا، أما عمله في الكهرباء فهو عمل جليل، على الرغم من أن العمل في الكهرباء عمل مضن بسبب ارتباط الكهرباء بحياة الناس، وتمدد المدن في كل اتجاه ومع ذلك فقد أضاءت الكهرباء كل بيت وإن بعد عن مركز المدينة.
لقد اعتدت في الأيام الماضية متابعة جلسات مجلس الشورى في يومي الخميس والجمعة، وكان محمود طيبة يرأس بعض الجلسات فيدير الجلسة بما يرضي الأعضاء والمشاهدين على حد سواء، وفقدنا محمود طيبة وعلمنا بمرضه وتألمنا لذلك، واستقر به المطاف في المستشفى التخصصي في الرياض، ثم اختطفته يد المنون.
حكم المنية في البرية جاري
ما هذه الدنيا بدار قرار
نعم إن المنية لا تترك إنساناً على وجه الأرض ولكنها تمهله إلى أمد، ثم تنتزعه، لقد كنا في غفلة فإذا بنا نفاجأ بموت محمود طيبة:
الناس في غَفَلاَتِهم
وَرَحَى المنية تَطْحنْ
رحم الله الفقيد وألهم ذويه الصبر والسلوان، فتعزيتي لأبنائه الأستاذ هاني محمود طيبة، والمهندس محمد محمود طيبة، والدكتورة وفاء محمود طيبة، والدكتورة سلوى محمود طيبة، والأستاذة سمر محمود طيبة. نرجو للفقيد القبول الحسن، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.