Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/07/2008 G Issue 13078
السبت 16 رجب 1429   العدد  13078
قل ما تريد..
عبدالعزيز السماري

أصبحت أداة الكتابة وسيلة من أهم وسائل التعبير في المجتمع، وطريقة مثالية لتقديم الرأي والرأي الآخر، والمجتمع يمر في الوقت الحاضر في طفرة كلامية، ويظهر ذلك بوضوح في زوايا الجرائد اليومية،..

وعلى صفحات ومدونات الإنترنت، وأيضاً على الأثير في معظم البرامج المباشرة في القنوات الفضائية العربية..

كذلك صار الوضوح في إبراز قضايا المجتمع الساخنة أكثر جرأة من ذي قبل، ويحدث ذلك في شكل تصاعدي، وهو بكل تأكيد يعبر عن ظهور حالة من الوعي مقدمتها العمل الدؤوب في البحث عن الإجابة، أو انتظار ردة الفعل عن ما يطرحه من قضايا اجتماعية أو فكرية أو اقتصادية..

تتميز ساحة التعبير عن الرأي بتنوعها، وتنقسم إلى عدة فئات منها ما يكتب بتخصص في نقد الفكر الديني، وفي ملاحقة أخطاء التيار الديني والممثل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي تتبع أحكام القضاء، ويحظى هذا التيار بردة الفعل وباهتمام ومتابعة من التيار الديني الذي يشعر أنه مستهدف، وأن ما يحدث هو من تدبير القوى الغربية من أجل تعطيل سلطة الدين على المجتمع، وأن هناك ضوء أخضر لإضعاف هذا التيار في ظل متطلبات الانفتاح وإستراتيجية التواصل والعولمة. وحسب رأيي سيكون تأثير هذا النقد إيجابياً في ظل هذا التفاعل النقدي بين الفعل وردة الفعل، فالنقد وإن كان أحياناً جارحاً سيؤدي إلى تحسين طرق التفكير الديني في المجتمع، وسيدفع به إلى تبني وسائل أكثر حداثة في المستقبل..

لكن التيار النقدي المحلي لا يخلو من طرح مؤدلج يتوشح مظاهر ليبرالية، لكنه يقدم صورة أكثر انغلاقاً من التيار الديني التقليدي، فهو نفعي ولكن قمعي للآخر وضيق الأفق، ويقف موقفاً عدائياً واقصائياً ضد مصالح الناس وضد تراث وثقافة ومبادئ الأمة..

في مجال الكتابة أيضاً تبرز فئة النقد الحكومي، والتي لها تجربة غنية في طرح قضايا المجتمع والمطالبة بالإصلاح العام، وتختلف درجة سخونتها من موضوع إلى آخر، لكنها تصب في أغلب الأحيان في مصلحة الوطن، ولا تخلو بالتأكيد أحياناً من بعض الجرأة والخروج عن المألوف في هذا الشأن..

لكن الذي يختلف في إطروحات هذه الفئة أنها غالباً تخلو من ردة الفعل من الجهة المقابلة، فالمسؤول في أغلب الأحيان لا يتجاوب مع النقد لإدارته أو لمؤسسته أو للخدمات التي تقدمها وزارته.. لذلك يظهر هذا النوع من الكتابة كالفعل الذي يخلو من ردة الفعل وهو ما يخالف قوانين الطبيعة التي سنَّها الله سبحانه وتعالى على أرضه، ويفسر ازدياد سخونة أجواء الطرح النقدي تباعاً في هذا المجال..

حالة الصمت التي تلتزمها القطاعات الحكومية عن التجاوب للنقد المباشر والتساؤلات المشروعة ليست إيجابية، وتؤدي إلى التذمر واتساع دائرة الإحباط وخروج لغة الخطاب النقدي عن مثاليته، وإلى بدء مرحلة جديدة تتميز بالنقد اللاذع والسخرية، وغيرها من وسائل التمويه والكوميديا الاجتماعية التي تهدف إلى لفت الانتباه إلى قضية ما..

يتميز أيضاً هذا النمط بخصوصيته العربية، وتظهر هذه الحالة بوضوح في بعض البلاد العربية التي تطبق نظرية سياسية اجتماعية يمكني أن أقول عنها أنها غبية، وليست صالحة للتطبيق في عصر المعرفة ونظريات التواصل الإيجابية، وهي موجزة في جملة (قل ما تشاء وسأفعل ما أريد)..

يقود تجاهل النقد المنهجي لأداء قطاعات الحكومة إلى اليأس وإلى مزيد من السلبية وتدني مستوى الإنتاجية، وإلى ظهور لغة نقدية غير ملتزمة بالأخلاق العامة.. ويظهر ذلك بوضوح في ما يُطلق عليه بصحف المعارضة في أحد البلاد العربية المجاورة..

ظهرت هذه اللغة مؤخراً في ما يحدث من تلاعب في سوق الأسهم السعودي، فالنقد تجاوز مرحلة البناء إلى المطالبة بمحاكمة المسؤولين عن الاقتصاد المحلي، والسبب كان التجاهل المحلوظ للغة النقد ومطالبات تصحيح الوضع القائم، ثم الاستمرار في تطبيق سياسة اقتصادية أفرغت أرصدة المواطنين السعوديين من مدخراتهم، وإحلال طبقات الفقر في فضاءات الطبقة المتوسطة الشاغرة..

كذلك من المفترض أن لا تتحول ميادين الكتابة إلى برلمان شعبي تُطرح فيه قضايا المجتمع وتُقدم بصورة مشوهة.. حدث شيء من هذا عندما تولت منتديات في الشبكة العنكبوتية القيام بهذا الدور، فقد كانت أشبه بساحة شعبية لتقديم الأخبار والنقد والشكاوى والفضائح، وقد وصل قراءها في زمن قريب إلى أرقام قياسية بكل ما تعنيه الكلمة، ولا تزال تقوم بالدور نفسه على الرغم من حجبها مؤخراً..

من الضروري أن تتوصل الدولة -حفظها الله- إلى استحداث وسائل قانونية لمساءلة المسؤول بدلاً من اعطاء هذا الدور كاملاً للأقلام وللكتابة في الصحف ومنتديات الإنترنت وقنوات الفضاء، ثم تجاهل ما يُكتب من أسئلة ونقد موضوعي للأجهزة الحكومية... أعني أن يتم إيجاد قناة تواصل شرعية بين المواطنين ومجلس الشورى، وذلك عبر تطوير المجلس إلى أكثر من مهمة تقديم صيغة استشارية، وإلى وسيلة تواصل ملزمة بين الحكومة وبين المجتمع..



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد