كانت ردود الفعل لكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في المؤتمر العالمي للحوار الذي يعقد هذه الأيام في العاصمة الأسبانية ويختتم أعماله اليوم مشجعة لبلورة موقف عالمي موحد نحو التعايش بين أتباع الأديان، بأمل أن ينجح المؤتمر في وضع حد للصراعات والنزاعات بين المجتمعات، وإحلال السلام القائم على احترام معتقدات وديانات الشعوب في جميع دول العالم، وهو توجه جميل وموقف يفتح الطريق نحو آفاق جديدة من التعاون والتفاهم والعمل المشترك بين أتباع الديانات المختلفة.
***
وما من شك أن هذه الخطوة المهمة تسجل ضمن الجهود الكبيرة للملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي لم يصرفه اهتمامه بالشأن الداخلي من أن يوظف خبرته وحكمته وبعضاً من وقته لصالح الإنسانية على امتداد العالم، وأن يضع كل إمكاناته في خدمة الإنسانية، ومن أجل بناء جسور قوية من الثقة والتعاون بين مختلف أتباع الأديان (الإسلام والمسيحية واليهودية والمعتقدات الأخرى من هندوسية وبوذية وشنتوية والكونفوشوسية وغيرها) ما لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مؤتمر الحوار العالمي الذي دعا إليه (الملك) وتبناه ورعاه وقام بافتتاحه وتابعه متابعة دقيقة، بما مكنه من أن يحقق هذا المستوى العالي من التنظيم، وبخاصة مع مشاركة هذا الحشد الكبير من الشخصيات الدينية المهمة.
***
ومن يقرأ كلمة الملك عبدالله في افتتاحه لمؤتمر مدريد العالمي للحوار، سوف يرى ويكتشف هذه الملامح لهذه الصورة الجميلة لدعوة خادم الحرمين الشريفين إلى مثل هذا الحوار، فقد خاطب الحضور بآية من القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}ليؤكِّد أمام المشاركين في المؤتمر من أن التحديات التي يواجهها العالم لا يذيبها إلا الحوار البناء بين الشعوب والدول وهو ما دعا إليه الإسلام الذي ينبذ الكراهية والحقد والتسلط، ويدعو إلى المحبة والإخاء والسلام والتعاون بين الشعوب.
***
وفي كلمة (الملك) معان كثيرة، ورسائل موجهة، ورؤى ترسم للعالم الطريق السليم نحو إمكانية خلاصة مما هو فيه من محن وصراعات، فقد أعلن خادم الحرمين الشريفين بأنه جاء إلى هذا المؤتمر حاملاً معه رسالة من الأمة الإسلامية يناشد بها أتباع الأديان الأخرى إلى الحوار البناء، وفتح صفحة جديدة يحل فيها - كما قال - الوئام محل الصراع، فالجميع يؤمنون بربٍ واحد، وإن اختلفوا في أديانهم، وينبغي أن تكون أديانهم وسيلة لسعادتهم.
***
وضمن الخطوط العريضة لكلمة (الملك) تأكيده على أن الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى النزاع والصراع، مذكراً الحضور بأن معظم الحوارات في الماضي فشلت لأنها تحولت إلى تراشق يركز على الفوارق ويضخمها، أو لأنها حاولت صهر الأديان والمذاهب بحجة التقريب بينها، مع أن هذا مجهود عقيم - كما يقول الملك - لأن أصحاب كل دين مقتنعون بعقيدتهم ولا يقبلون عنها بديلا ً، وإننا إذا أردنا لهذا اللقاء التاريخي أن ينجح (يقول الملك) فلا بد أن نتوجه إلى القواسم المشتركة التي تجمع بيننا، وهي الإيمان العميق بالله، والمبادئ النبيلة، والأخلاق العالية التي تمثل جوهر الإيمان.
***
وفي كلمة (الملك) التاريخية تأكيده على أن الإنسان قادر على أن يهزم الكراهية بالمحبة، والتعصب بالتسامح، مع أن هذا الإنسان (يقول الملك) قد يكون سبباً في تدمير هذا الكوكب، وهو أيضاً قادر على جعله واحة سلام واطمئنان، يتعايش فيه أتباع الديانات، ويواجهون المشاكل بالحوار لا بالعنف.
***
ويضيف (الملك) ليكن حوارنا مناصرة للإيمان في وجه الإلحاد، والفضيلة في مواجهة الرذيلة، والعدالة في مواجهة الظلم، والسلام في مواجهة الصراعات والحروب، والأخوة في مواجهة العنصرية، فلله دره من ملك يشخص حالة العالم على هذا النحو، ويرسم له طريق الخلاص بواقعية وموضوعية وصدق، مع رغبة مخلصة منه بأن يجلل عالمنا الكبير بكل ما يعزز هذه القيم ويساعد على بناء مجتمعاتنا وفق سماتها الجميلة التي رسمها وحددها وشخصها عبدالله بن عبدالعزيز.