مضى على شهادة جيمس هانسن، عالم المناخ، والمدير السابق لمعهد جادارد للدراسات الفضائية، التابع لوكالة الفضاء الأمريكية NASA، مضى على شهادته أمام الكونجرس الأمريكي عشرون عاماً، أي في عام 1988م، كان مفاد الشهادة من قِبَل هذا الخبير أن النشاطات البشرية
تعتبر المسؤولة في المقام الأول عن ظاهرة التسخين لكوكب الأرض، أو ما تعرف ب global warming ، أما معظم الناس، أو العامة فلا يدركون أبعاد المشكلة التي يواجهها العالم من جراء ذلك. يذهب هانسن، والعديد من العلماء، إلى أن ذلك العام يمكن اعتباره بداية دخول كوكب الأرض في فترة التسخين، ويعود ذلك، في المقام الأول، إلى غازات ثاني أكسيد الكربون المنفوثة في الفضاء.
أما ردة فعل المشرعين من أعضاء الكونجرس فاتصفت بالمفاجأة، حسب إفادة هانسن، أما السياسيون فكان من الصعب عليهم تقبُّل تصريح يتسم بالثقة المبنية على الدراسات العلمية، والمعلوم أن هناك فريقاً من العلماء الذين يذهبون في اتجاه معاكس لما ذهب إليه ذلك الخبير، ويذكرون أن ثمة دورات مناخية تأتي وتذهب بمعدل مائة عام من السخونة أو عكسها، وأن ما ذهب إليه العديد من العلماء المخالفين لوجهة النظر هذه، يعتبرون من المبالغين فيما يتعلق بظاهرة التسخين التي تمر بها الأرض.
ومن المعلوم أن الوقود ذا المنشأ الأرضي، مثل الفحم والنفط، يقف خلفه المستفيدون من هذا النوع من الوقود، وهنالك فريق من العلماء ذوو العلاقة بالحكومات من المتوقع أن يصرحوا بآراء تناسب القوة السياسية، وعملية التسخين الكوكبي لها ارتباط بالموجات الحرارية والدورة الهيدرولوجية، فعندما تسخن الأرض ينتج عن ذلك تغير في نمط التساقط المرتبط بما هو متعارف عليه بالأقاليم المناخية، والنتيجة تحول في الأنماط، فتلقى مناطق كميات من التساقط لم تشهدها من قبل، وينتج عن ذلك فيضانات وما يرتبط بها من نتائج سلبية معروفة على الناس والأراضي والمزروعات، ثم ما يترتب على ذلك من خسائر بشرية ومادية.
ويذكر هانس أنه صرح في عام 1989م حول ما طرأ على الدورة الهيدرولوجية من تحولات نتيجة لظاهرة التسخين الأرضي، ولقد حورت تصريحاته لتبدو ألا علاقة للوقود الأرضي بالتسخين، ونتيجة لتقريره أشير عليه بأن يستقيل من منصبه الذي كان يزاوله وهو مدير معهد الدراسات الفضائية، الذي تمت الإشارة إليه آنفا، وبغض النظر عن أي شيء آخر، أعود وأؤكد أن ظاهرة التسخين لها جانبان: جانب كمي وآخر نوعي ذو ارتباط بالظاهرات المناخية، فيزداد عدد الأعاصير المائية والدوامات الأرضية والفيضانات النهرية، من ناحية وتزداد حدتها من ناحية أخرى.
ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة زيادة حرائق الغابات، فهناك علاقة سببية بينها وبين ظاهرة التسخين، فلقد لوحظ زيادة الحرائق الغابية في كندا واستراليا وجنوب ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
من الواضح أن درجة الخطورة من ثاني أكسيد الكربون والبالغة 385 جزءاً من المليون، كان يظن أننا لم نصل لها، وهذه الدرجة يمكن مقارنتها بـ 280 جزءاً من المليون قبل أن يستعمل الإنسان الفحم والنفط الغاز، فلقد تجاوزنا درجة الحالة الخطرة، ولابد من العودة إلى مستوى 350 أو أقل، وإن أسعار البترول المرتفعة تعود إلى كون هذا النوع من الوقود في طريقه إلى الانتهاء، ولكنه ينتهي في الفضاء ويلوثه، ويضاف إلى ذلك الممارسات المتبعة في الزراعة واجتثاث الغابات وتعرية التربة، كل ذلك يشكل مصادر نفث لثاني أكسيد الكربون في الفضاء، ومن المؤكد، بناء على دراسات علمية، أنه خلال السنوات الخمس الماضية فقط، أكثر من 50 في المائة من التسخين الأرضي كان بسبب ثاني أكسيد الكربون المنفوث في الفضاء، وأن ارتفاعاً بسيطاً في درجة حرارة الأرض سيسهم في التغير المناخي لمئات السنين، وبلغت في الصيف الماضي المساحة الإجمالية للغطاء الجليدي للمحيط المتجمد الشمالي 4 ملايين كم 2، أو نصف مساحته منذ ثلاثين عاماً مضى ويترتب على تقلص الجليد أمور عديدة ترتبط بسكان الدائرة القطبية الشمالية الذين يقدرون بنحو مليوني نسمة، كما سوف يؤثر التقلص في الغطاء الجليدي على الحياة النباتية والحيوانية، وهنالك قرى في ولاية ألاسكا الأمريكية مهددة بالتدحرج في المحيط نتيجة لذوبان الجليد القطبي.
وبناءً على ما يعرف بالنظام التصاعدي لأية ظاهرة، فإن ارتفاعا قليلا في درجات الحرارة من شأنه أن يدفع بالحيوانات نحو دوائر قطبية أعلى، وإن ارتفاع مستوى البحر، ولبضعة سنتيمترات، سينتج عنه طمر للشواطئ، وللمناطق السكنية القريبة منها، هذه المعلومات عن التغيرات في درجات الحرارة والتذبذبات في أنماط الأقاليم المناخية، الملحوظة والمرصودة من قبل المتخصصين، لم تصل إلى عامة الناس، وقد يكون للإعلام دور في تشويش الرسالة، إذ إنه يلعب دور الوسيط في نقل المعلومات للسياسيين والعلماء والعامة، ومهما شاب الموضوع من ملابسات فإن الفاصل في ذلك (المجموعة العلمية)Scientific Community المنتمية لمراكز ومعاهد بحث أكاديمية، ويمكن إضافة إفادة لأحد المترولوجيين، يفهم منها أنه من الملاحظ في السنوات الأخيرة وجود انحرافات للرياح الغربية عن مسارها المعتاد نتيجة للتسخين الأرضي، وباختصار فإن دلائل الظاهرة واضحة، وعلاجها من السهل - الصعب، وأختم بقول المولى - عز وجل - {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
أستاذ الجغرافيا، جامعة الملك سعود، رئيس الجمعية الجغرافية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية