Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/07/2008 G Issue 13076
الخميس 14 رجب 1429   العدد  13076

من خلا منها فهو الخالي بحق!
عبدالله إبراهيم حمد البريدي

 

قد يخلو المرء من بعض الخصال الحميدة كالكرم والشجاعة والإيثار وغيرها من الخصال التي يُحب من تتوفر فيه كلها أو بعضها، ومن خلا من بعضها فإنه يُقبل بوجود البعض الآخر.

ولكن هناك صفة أو خصلة متى ما خلا منها إنسان فلا يعوضها أي صفة مهما كانت وبالتالي فلا قبول له عند الناس بل بشِّره بالمقت الشديد، ألا وهي الغيرة، وأعني بها الغيرة على المحارم من زوجة وأخت وبنت.

فهي خلق عظيم، وهي من أجل أخلاق المؤمنين الصالحين.

وهي من أعظم الأدلة على قوة الإيمان، ومن صفات الرجولة الحقة، والحصن الواقي من السقوط في براثن الرذيلة والفواحش بإذن الله.

وهي صفة كمال، والدين الحنيف حث عليها وربى أبناءه عليها، ولذلك اتصف بها خير البشر، فقد جاء في البخاري: (قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) أو كما ورد في الحديث.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (اتصاف الله تعالى بهذه الصفة، دليل على أنها صفة كمال).

وجاء في البخاري أيضاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب القصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: هذا لعُمر، فأردت أن أدخله، فذكرت غيرته، فوليت مدبراً) فبكى عمر وهو في المجلس ثم قال: أو عليك يا رسول الله أغار؟

ولقد جاء في كتب السير العديد من القصص التي تدل على فضل ومكانة هذه الصفة الحميدة في المجتمع المسلم، وأنها من سمات الحياة الاجتماعية عند المسلمين أكثر من غيرهم، ومنها: تقدمت امرأة إلى مجلس القاضي موسى بن اسحاق في مدينة الري، فادعى وكيلها أن لموكلته على زوجها خمسمائة دينار (مهرها) فأنكر الزوج، فقال القاضي للوكيل: شهودك.

قال: أحضرتهم، فطلب بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة، ليشير إليها في شهادته، فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي.

فقال الزوج: ماذا تفعلون؟

قال الوكيل ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة؟ لتصح عندهم معرفتها.

قال الزوج: إني أشهد القاضي أن لها عليّ هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها.

فقالت المرأة: وإني أشهد القاضي أني وهبت له هذا المهر وأبرأت ذمته في الدنيا والآخرة.

فأعجب القاضي بغيرتهما وقال: يُكتب هذا في مكارم الأخلاق.

كل هذا لا يعني أنه ليس هناك من هذه الأمة من لم تُنزع منهم الغيرة، بل وُجد من يأمر نساءه وبناته أن يلبسن ما يصف مفاتن الجسد، بل ويفرح عندما يرى من يمعن النظر إلى زوجته فهذا بالنسبة له دليل تميزه وتميز زوجته عن الآخرين، عياذاً بالله من هذه الحال!!

أين هذا وأمثاله من الشاعر الذي يقول:

أصون عرضي بمالي لا أدنسه

لا بارك الله بعد العرض بالمال؟

وأينه من الآخر الذي يقول:

وأنا وإن كنتُ الجهول فإنني

عِرضي أصون وليس يهضم جاري؟

ثم أينه ممن قال:

أجودُ بمالي دون عِرضي ومن يُرد

رزية عرضي يعترض دونه بُخلي

إن من يتهاون في مسألة الغيرة فهو على خطر، ومن يلغيها فإنه خاسر في الدنيا وخاسر في الآخرة بعيد عن الله وعن الجنة، يثبت ذلك هذا الحديث: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث).

وهل الدياثة والغيرة إلا كما الخير والشر، والليل والنهار فهما الضدان ولا شك.

Al-boraidi@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد