Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/07/2008 G Issue 13076
الخميس 14 رجب 1429   العدد  13076
مواقف مع الملك فيصل قد لا تصدقها الأجيال
حمود بن عبدالعزيز بن حمود القصيِّر

في عام 1385هـ كنت مديراً لمدرسة الوفرة الابتدائية بالمنطقة المحايدة التي شيدتها شركة جيتي، وخدمت أكثر من عشر سنوات بين المدارس التي شيدتها شركة أرامكو في المنطقة الشرقية ومنها هذه المدرسة، وكانت رواتب موظفي هذه المدارس تصرف من قبل الشركتين ولا يعترف بخدماتهم كموظفين للدولة أو للشركتين المشار إليهما علماً بأن تعييني عام 1378هـ كان من قبل الملك فهد بن عبدالعزيز عندما كان وزيراً للمعارف، وقد سبق أن رفعت عدة برقيات من قبل موظفي ومدرسي هذه المدارس للمقام السامي ولم يتم حل قضيتهم، فسافرت إلى الطائف عام 1385هـ لمقابلة جلالة الملك فيصل للمطالبة بضم خدمات مدرسي هذه المدارس إلى موظفي الدولة أو إلى شركتي أرامكو وجيتي.

فقابلت جلالة الملك فيصل بقصر شبرا بالطائف في الصباح بالصالة المخصصة للمقابلات وللصلاة وتقدمت له بالاستدعاء بطلب حل موضوع موظفي المدارس التي شيدتها شركة أرامكو بالمنطقة الشرقية وشركة جيتي بالمنطقة المحايدة وقبل أن يقرأ جلالته هذا الاستدعاء أتى رجل ووضع فوقه طلبات المواطنين الآخرين.

وبما أن الموضوع يخص مجموعة من المواطنين وليس فرداً، وأحببت أن أناقش جلالته في ذلك قمت لأضعه فوق الطلبات الأخرى فرفض جلالته إخراج الاستدعاء وانتهت المقابلة وانفض الجمع.

وفي أثناء هذه المقابلة أذكر للتاريخ أن هناك مجموعة من شيوخ القبائل على ما أعتقد يطلبون الإعانة من جلالته ولا أعلم السبب في ذلك، فقال لهم جلالته: أموال الدولة أمانة لدينا لكافة أفراد الشعب وليست ملكي وسوف أشارككم في مصابكم مثل أي واحد منكم.

وبعد انتهاء المقابلة ذهبت لمقابلة رئيس ديوان مجلس الوزراء معالي الشيخ صالح العباد دون أي اعتراض وكأنني ذاهب إلى أي موظف عادي في أي دائرة حكومية، لأعرف متى أجد جواباً على الاستدعاء الذي قدمته للملك صباحاً، فقال لي: بعد عشرة أيام يتم تلخيص الاستدعاء وتقديمه للملك للتوجيه بما يراه فضاق صدري وعز علي الرجوع إلى الرياض حالاً.

وعند خروجي من بوابة قصر شبرا وجدت ابن مرشد الذي كان يبيع الغاز بدخنة بالرياض فسألته عن سبب وجوده بالطائف فقال بيننا وبين شركة الغاز قضية لم يحلها إلا الملك فيصل عندما استوقفته وهو بالسيارة وعرضت عليه قضيتنا.

فقررت أن أصلي مع الملك فيصل في الصالة التي قابلته بها صباحاً في صلاة الظهر وأعرض عليه قضيتنا وبعد الصلاة وقفت بالبهو أمام بوابة الصالة انتظر خروج الملك فيصل مع بعض المسؤولين الكبار أذكر منهم صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام وصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز الذي كان أميراً لمنطقة مكة المكرمة وآخرين لا أعرفهم ولم يعترض على وقوفي معهم أي إنسان!

وبعد خروج الملك فيصل صافحته وقدمت له صورة الاستدعاء الذي قدمته صباحاً وقلت له هذه قضية تخص موظفي المدارس التي شيدتها أرامكو ومنذ سنوات ونحن نرفع لكم البرقيات ولم يتم حلها حتى الآن.

فأخذ مني الاستدعاء وناوله أحد خدمه الذين برفقته وقال له اذهب به إلى صالح العباد وأعطه الاستدعاء وقل له: يكتب حالا لأمانة مجلس الوزراء للبت في موضوع موظفي المدارس التي شيدتها شركتي أرامكو وجيتي، فذهبت مع الرجل لرئيس الديوان فشرح على الاستدعاء لأحد موظفي الديوان للكتابة حالاً لأمانة مجلس الوزراء، وسررت كثيراً لتوجيهات الملك الكريمة التي نفذت وكتبت وصدرت للأمانة في أقل من نصف ساعة وفي صباح الغد ذهبت للأمانة العامة لمجلس الوزراء وعندما عرضت رقم المعاملة على كاتب الصادر والوارد قال لي: بعد أسبوع تراجع لنخبرك عن الجهة الرسمية التي أحيلت إليها المعاملة.

فقلت له هذا أمر ملكي فقال جميع ما لدينا أوامر ملكية، فخرجت منه أسب الروتين وعزمت على السفر للرياض وترك هذه المعاملة، وبعد خروجي سألت أحد الجنود الواقفين بالبوابة من هو رئيس الأمانة وأين مكتبه فقال لي: الشيخ حمزة مرزوقي ودلني على مكتبه، فدخلت عليه وأخبرته بجميع ما حصل لي مع الملك وفي مجلس الوزراء وما قاله لي كاتب الوارد في الأمانة فهدأ من روعي وقال لي يا ابني قاتل الله الروتين اجلس وأعطني رقم المعاملة وطلب المعاملة وأمر لي بالماء والقهوة.

وعندما تم إحضار المعاملة طلب مني أن أذهب بها إلى الأستاذ صالح أبا الخيل بالدور الثاني الذي يعرض المعاملات على الوزراء وقال لي: قد طلبت منه مساعدتك، فأخبرني الأستاذ صالح أبا الخيل أن جميع البرقيات التي رفعت من قبلنا للمقام السامي موجودة لديه على هذه الطاولة بالترتيب وأنه سيجمعها جميعاً ويضعها في المقدمة وعندما يجتمع الوزراء المختصون ولا يطلبون أي معاملة معينة ستكون معاملتكم هي الأولى وسيتم حلها إن شاء الله تعالى قريباً، وبالفعل تم ضم خدمات موظفي هذه المدارس التي شيدتها شركتا أرامكو وجيتي إلى موظفي الدولة في عام 1386هـ، فأحببت نشر هذا الموضوع لمعرفة الأجيال الجديدة ما كانت عليه بلادنا في ذلك الوقت من تآلف وتآخي لا فرق فيها بين الحاكم والمحكوم، يستطيع فيها المواطن العادي الوصول إلى أعلى السلطات دون حواجز أو معوقات كما هو حاصل في هذا العصر. بسبب تجنيد الأعداء لبعض الفرق الضالة من الخونة والعملاء التي تعمل على تقويض الأمن والأمان في هذه البلاد المقدسة بالتفجيرات وقتل الأنفس التي حرمها الله إلا بالحق من المواطنين والمقيمين.

فنسأل الله أن يرحم الملك فيصل وحمزة مرزوقي وقائد مسيرتنا المباركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وجميع المسلمين المؤمنين المخلصين الأحياء منهم والأموات وأن يجمعنا معهم في مستقر رحمته في الفردوس الأعلى وأن يجازينا وإياهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً إنه على كل شيء قدير.

* الرياض: 11531 ص.ب: 50531



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد