ما سر هذه الاستجابة العاصفة للدراما التركية على المستوى المحلي ؟ لِمَ بات شخوص التمثيليات يتداخلون مع لغة الحياة اليومية، فباتت التشبيهات من نوع (أجمل من لميس، وأكثر وسامة من مهند)؟
لِمَ تحلق المجتمع حولها بشغف ولهفة؟
هل لأنه ما زال هناك حيز تركي قديم في الوجدان العربي، هل لأن جينات الأجداد اصطحبت في مسيرتها الوراثية ذكريات عن العثمانيين؟
تلك الجيوش الهادرة التي اكتسحت الجزيرة العربية؟ من منا لا يعرف ويتندر بحكاية إبراهيم باشا عندما حاصر نجد، لكن الحَرَّ النجدي حاصره في المقابل، وعندما استفسر عن سر هذا الحر الجهنمي الذي لم يخبره في وطنه قط، فأجابوه بأنه: طباخ التمر، فأجابهم دماغه العسكري المطوق باللوائح والأنظمة وهو يغلي، لما لا يقطعون شجر النخيل حتى يكف هذا الحر عن القدوم؟
إبراهيم باشا المتعجرف الذي دك الدرعية، وتربص بالدولة الفتية، وزرع محميات فوق وجه الجزيرة، لم يكن يعلم أن ذاك الوجود الدخيل الطارئ سوف يتداخل وينسج مع الوجدان الشعبي في نجد، فيصبح كل مولود وضيء البشرة أبيضها، مشرق الوجه أحمره اسمه ... تركي.
وكما هي عادة العمران البشري أن كان هناك جزء في الشعوب المغزوة يكره الغزاة ويقاومهم، إلا أن هناك جانبا سريا خفيا يحترمهم ويجل قوتهم المتغطرسة فانتشر في نجد اسم... تركي وللنساء تركية.
تركيا إمبراطورية الخلافة الإسلامية والباب الأعظم، آثار سنابك خيلها مازالت في كل منعطف في الجزيرة، وعندما تباغتنا عيون زرقاء ملونة في قلب الجزيرة العربية السمراء، فإن الجميع ينقب عن البصمة الوراثية التركية، أو جندي اختار أن يتخلف عن الجيش الطموح.
لا نستطيع أن نستغرب تلك الاستجابة العاصفة للدراما التركية، انه اللاوعي الشعبي الذي كان يرى في التركي رمز الإشراق والقوة والهيمنة العسكرية للهلال والنجمة.
يندر أن يوجد بيت نجدي دون أن يكون به اسم... تركي.
لعله ذلك الشجن العميق الذي في الأعماق الذي يجعل الجميع يتحلق حول الدراما التركية، متناسين قسوة إبراهيم باشا وغطرسته، وشعارات أتاتورك وعلمانيته، ولم يبق سوى.... تركي الفتي الوسيم مضيء الوجه.