موفد الجزيرة - متابعة وتصوير - سعد العجيبان
اتجهت الأنظار يوم أمس إلى العاصمة الإسبانية مدريد.. باتجاه يوم تاريخي يشهده العالم.. يوم جدير بتحويل مسار العالم.. باتجاه مشرق.. يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - حين أعلن افتتاح المؤتمر العالمي للحوار بحضور صاحب الجلالة الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا ودولة رئيس الوزراء الإسباني وعدد من كبار الشخصيات السياسية والدينية على مختلف أطيافهم ومذاهبهم.
واحتضن قصر الباردو في مدريد أمس أهم تحول في التاريخ المعاصر.. حين حمل خادم الحرمين الشريفين رسالة من الأمة الإسلامية ممثلة في علمائها ومفكريها.. يعلن بها أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح.. ورسالة كما أعلنها في خطابه التاريخي أمس تدعو إلى الحوار بين أتباع الأديان وتبشر بفتح صفحة جديدة يحل بها الوئام محل الصراع. دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان لم تأت إلا من حاكم واع.. يدرك أن الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى النزاع والصراع.. ويدرك تماماً أن الصراعات لم تكن وليدة اختلاف الأديان وإنما بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع الأديان والعقائد السياسية.. وهذا ما أعلنه - حفظه الله - بالأمس.. لقد ترك خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز أمس أثراً بالغاً على المشاركين في المؤتمر وغير المشاركين.. وما كان قوله: (لقد فشلت معظم الحوارات في الماضي لأنها تحولت إلى تراشق يركز على الفوارق ويضخمها، وهذا مجهود عقيم يزيد التوترات ولا يخفف من حدتها).. إلا إعلاناً مسبقاً لنجاح مؤتمر الحوار العالمي.. على الرغم من المحاولات التي تسعى لإجهاض نجاحه، فالكثير من هؤلاء يزعمون أن المؤتمر لم يستقطب الأطراف المستهدفة في الحوار.. ويروجون لضعف التمثيل بين المشاركين من أتباع الأديان.. إلا أن ذلك لم يحل دون المضي في بذل كل ما من شأنه إنجاح المؤتمر.
لقد مثلت دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان شجاعة لا تفوقها شجاعة في التاريخ المعاصر.. وموقف ليس بالسهل.. ليعلن أن الحوار مناصرة للإيمان في وجه الإلحاد.. والفضيلة في مواجهة الرذيلة، والعدالة في مواجهة الظلم، والسلام في مواجهة الصراعات والحروب، والأخوة البشرية في مواجهة العنصرية.. ويتلقى بعد ختام خطابه التاريخي وابلاً من التصفيق الحار الذي تواصل لعدة دقائق صحبه وقوف المشاركين جميعهم تقديراً لرجل عظيم وتعبيراً عن الرضا بما دعا إليه.. تبعته التفاتة كريمة منه - حفظه الله - حين وقف محيياً المشاركين.. ليقف بعدها الملك عبد الله بن عبد العزيز والملك خوان كارلوس قرابة خمس وأربعين دقيقة.. وأمام الملأ يصافح جميع المشاركين من أتباع الأديان في المؤتمر.. فصافح ذا العمة السوداء والبيضاء.. وذا القولنسوة.. وذا الرداء البوذي.. وذا الرداء الكنيسي.. والمنتمي للسيخ.. وتلتقط عدسات المصورين مئات الصور لحدث تاريخي مهم.. يفتح صفحة جديدة تئد التعصب والكراهية.
يدرك المتتبع للتاريخ أن حدث الأمس ليس بالحدث العابر.. بل حدث استثنائي مهم للغاية.. حدث جمع بين أتباع الأديان تحت سقف واحد.. وعلى مائدة طعام واحدة.. وفي قاعة مباحثات وحوار واحدة.. رغم مختلف دياناتهم ومعتقداتهم العقائدية والمذهبية.. فلم يسجل التاريخ تجمعاً بين أتباع الأديان كالذي سجلته مدريد بالأمس.