كغيره من المبدعين يحتاج الفنان التشكيلي إلى تهيئة الأجواء له ليتواصل مع عشقه ومن ثم يتواصل مع العطاء والإبداع، ومن هنا فإنه من الضروري جداً وجود مناخات وبيئات إيجابية لهذا الإنسان المسكون بعشق الجمال؛ حتى تتنامى موهبته وتزداد رسوخاً وثباتاً وتألقاً. ومن هذه المناخات مسألة إتاحة الفرصة له للاحتكاك وتبادل المعلومات والخبرات مع الآخر كما يحدث في التجمعات والمناسبات والفعاليات الدولية، وهذه الأخيرة ربما يكون فيها مؤشر الاستفادة أكثر من غيره إذا ما علمنا أن الفعاليات الدولية عادة تتميز بتنوع المشاركات وتعددها وبالتالي تعدد الثقافات والمعطيات الفنية يساعده على الاطلاع على التجارب وأساليب ومنجزات الآخرين الذين يتوافقون معه في الانشغال بهذا المسار الجمالي، ثم إنها فرصة للفنان التشكيلي ليفيد ويستفيد علاوة على شرف تمثيل الوطن في المحافل الدولية.
لكن أن تقوم إدارة من إدارات التعليم بمنع التشكيليين العاملين لديها من معلمي التربية الفنية من المشاركة في مثل هذه الفعاليات وبالتالي حرمانهم من الاستفادة من خبرات وثقافة الآخرين.. أقول إن مثل هذا المسار هو مسار مائل بكل أسف، وهو بلا شك اتجاه معاكس لكل المعطيات الإيجابية التي سوف تعود على التشكيلي المشارك أياً كان.
الأمر الأكثر غرابة أيضا هو تفاوت النظرة أو التعامل مع مثل هذا الأمر ما بين إدارة تعليم في منطقة ما وإدارة في منطقة أخرى بما يؤكد أن المسألة ربما تخضع للاجتهاد والمزاجية، وإلا فإن الأنظمة والتعليمات موحدة وإدارات التعليم جميعها تخضع لسلطة وزارة التربية والتعليم، ومن هنا فهي تتلقى تعليمات وأنظمة موحدة، إضافة إلى وجود قرار صادر من مجلس الوزراء برقم 28 وتاريخ 30-7-1406هـ يؤكد مثل هذه المشاركات بشكل واضح وصريح ومنظم.
ما يفرض الدهشة أيضا هو أن الفنان التشكيلي (معلم التربية الفنية)، وهو الأكثر من غيره احتياجاً للتواصل والاحتكاك والاستفادة من الآخر، يُعطّل وبهذا الشكل، ومِن مَن؟ من الجهة التي ينتمي إليها، والتي من الواجب أن تكون أحرص من غيرها على فتح قنوات ومسارات له ولزملائه للتطور وزيادة الفاعلية..
أتمنى من الجهات أياً كانت سواء حكومية أو خلافه أن تكون أكثر مرونة في هذا الجانب، وأن تبادر إلى إتاحة الفرصة للعاملين لديها من التشكيليين للاستفادة من مثل هذه الفعاليات التي سوف تساهم في الرفع من قدراتهم الفنية والتقنية والثقافية بشكل عام، إضافة إلى الشرف الأهم وهو شرف تمثيل الوطن الغالي في المحافل العربية والدولية.
